جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٤٠
كلاَّ}، ردع للإنسان عما هو عليه، ثم بيَّن سبب الردع فقال :﴿لمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ﴾ أي : لم يقضِ العبد جميع ما أمَرَه اللهُ به ؛ إذ لا يخلوا العبد من تقصيرٍ ما، فإن قلت :" لَمَّا " تقتضي توقع منفيها، وهو هنا متعذر كما قلتَ ؟. قلتُ : الأمر الذي أمر الله به عبادَه في الجملة : هو الوصول إلى حضرة الشهود والعيان، وهو ممكن عادة، متوقع في الجملة، وقد وصل إليه كثير من أوليائه تعالى، فمَن وصل إليه فلا تقصير في حقه، وإن كانت المعرفة غير متناهية، ومَن لم يصل إليه فهومُقصِّر، غير أنَّ عقابه هو احتجابه عن ربه. والله تعالى أعلم.
ثم أَمَرَ بالتفكُّر في نِعم الله، ليكون سبباً للشكر، الذي هو : صرف كلية العبد في طاعة مولاه، فلعله يقضي ما أَمَرَه فقال :﴿فلينظر الإِنسانُ إِلى طعامه﴾ أي : فلينظر إلى طعامه الذي هو قِوام بدنه، وعليه يدور أمر معاشه، كيف صيَّرناه، ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الماءَ﴾ أي : الغيث ﴿صَبًّا﴾ عجيباً، فمَن قرأ بالفتح فبدل اشتمال من الطعام، وبالكسر استئناف. ﴿ثم شققنا الأرضَ﴾ بإخراج النبات، أو : بالحرث، وهو فعل الله في الحقيقة ؛ إذ لا فاعل سواه، ﴿شَقًّا﴾ بديعاً لائقاً بما يشقها من النبات، صِغراً أو كِبراً، وشكلاً وهيئة، أو : شقاً بليغاً ؛ إذ لا ينبت بمطلق الشق، وإذا نبت لا يتم عادة. و " ثم " للتراخي التي بين الصبّ والشق عادة، سواء قلنا بالنبات أو بالكَراب، وهو الحراثة.


الصفحة التالية
Icon