الخلقُ نوار، وأنا رعيت فيهم
هم الحجب الأكبر والمدخل فيهم
متاعاً لكم، أي : لقلوبكم وأرواحكم، بتقوية العرفان في مقام الإحسان، ولأنعامكم أي : نفوسكم بتقوية اليقين في مقام الإيمان. والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٤٠
يقول الحق جلّ جلاله :﴿فإِذا جاءت الصَّاخةُ﴾ أي : صيحة القيامة، وهي في الأصل : الداهية العظيمة، وسُميت بذلك لأنَّ الخلائق يَصخون لها، اي : يُصيخون لها، مِن : صَخَّ لحديثه : إذا أصاخ له واستمع، وُصفت بها النفخة الثانية لأنَّ الناس يصخون لها، وقيل : هي الصيحة التي تصخ الآذان، أي : تصمها، لشدة وقعها. وجواب (إذا) : محذوف أي : كان من أمر الله ما لا يدخل تحت نطاق العبارة، يدل عليه قوله :﴿يومَ يفرُّ المرءُ من أخيه﴾، فالظرف متعلق بذلك الجواب، وقيل : منصوب بأعني، وقيل : بدل من " إذا " أي : يهرب من أخيه لاشتغاله بنفسه، فلا يلتفت إليه ولا يسأل عنه، ﴿و﴾ يفرُّ أيضاً من ﴿أُمهِ وأبيهِ﴾ مع شدة محبتهم فيه في الدنيا، ﴿وصاحبتهِ﴾ أي : زوجته ﴿وبنيهِ﴾، بدأ بالأخ ثم بالأبوين ؛ لأنهما أقرب منه، ثم بالصاحبة والبنين ؛ لأنهم أحبُّ، فالآية من باب الترقي. وقيل : أول مَن يفرُّ من أخيه : هابيل، ومن أبويه : إبراهيم، ومن صاحبته : نوح ولوط، ومن ابنه : نوح. ﴿لكل امرىءٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغْنيه﴾ أي : لكل واحد من المذكورين شغل شاغل، وخطب هائل، يكفيه في الاهتمام به، ويشغله عن غيره.
ثم بيَّن أحوال المذكورين وانقسامهم إلى السعداء والأشقياء، بعد ذكر وقوعهم في داهية دهياء، فقال :﴿وجوه يومئذٍ مُسْفِرةٌ﴾ أي : مضيئة متهللة، من : أسفر الصبح : إذا
٢٤٣


الصفحة التالية
Icon