وقوله تعالى :﴿علمتْ نفس ما أحضرت﴾ : جواب " إذا "، على أنَّ المراد زمان واحد ممتد، يسع ما في سياقها وسياق ما عطف عليها من الخصال، مبدؤه، النفخة الأولى، ومنتهاه : فصل القضاء بين الخلائق، أي : تيقنت كلُّ نفس ما أحضرت من أعمال الخير والشر، والمراد بحضورها : إمّا حضور صحائفها، كما يُعرب عنه نشرُها، وإمّا حضور أنفسها، على أنها تُشكّل بصورة مناسبة لها في الحُسن والقُبح، وعلى ذلك حمل قوله تعالى :﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [التوبة : ٤٩، العنكبوت : ٥٤]، وقوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى...﴾ [النساء : ١٠]، الآية، وقوله عليه السلام في حق مَن يشرب في آنية الذهب :" إنما يُجَرْجرُ في بطنه نار جهنم " ولا بُعد في ذلك، ألا ترى أنَّ العِلم يظهر في عالم الخيال على صورة اللبن، كما لا يخفى على مَن له خبرة بأحوال الحضرات الخمس، وقد رُوي عن عباس رضي الله عنه أنه قال :" يُؤتى بالأعمال الصالحة على صورة حسنة، وبالأعمال السيئة على صورة قبيحة، فتوضع في الميزان "، وأيًّا ما كان فإسناد إحضارها إلى النفس مع أنها تحضر بأمر الله عزّ وجل، كما نطق به قوله تعالى :﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً..﴾ [آل عمران : ٣٠] الآية ؛ لأنها لمّا عملتها في الدنيا فكأنها أحضرتها في الموقف، ومعنى علمها بها حنيئذ : أنها تُشاهد جزاءها، خيراً كان أو شرًّا.