يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ الأبرارَ﴾ أي : المؤمنين ﴿لَفِي نعيم﴾ عظيم، وهو نعيم الجنان ﴿وإِنَّ الفُجَّار﴾ أي : الكفار ﴿لَفِي جحيم﴾ كذلك، وفي تنكيرهما من التفخيم والتهويل ما لا يخفى، ﴿يَصْلَونها يومَ الدِّين﴾ يُقاسون حرها يوم الجزاء، وهو استئناف بياني منبىء عن سؤال نشأ عن تهويلها، كأنه قيل : ما حالهم فيها ؟ فقال : يحترقون فيها يوم الدين، الذي كانوا يُكذِّبون به، ﴿وما هم عنها بغائبين﴾ طرفة عين بعد دخولها، وقيل : معناه : وما كانوا عنها غائبين قبل ذلك، بل كانوا يجدون سمومها في قبورهم، حسبما قال ﷺ :" القَبْر رَوْضَةٌ مِن رِيَاضِ الجَنَّة، أو حُفْرة مِنْ حُفَرِ النَّار ". ﴿وما أدراك ما يومُ الدين ثم ما أدراك ما يومُ الدين﴾، هو تهويل وتفخيم لشأن يوم الدين الذي يُكذِّبون به، ببيان أنه خارج عن دائرة دراية الخلق ؛ فعلى أيّ صورة تصوروه، فهو فوقها، وكيفما تخيلوه فهو أهم من ذلك وأعظم، أي : أيُّ شيء جعلك دارياً ما هو يوم الدين ؟ على أنَّ " ما " الاستفهامية خبر " يوم "، كما هو رأي سيبويه، لما مَرّ من أنّ مدار الإفادة هو الخبر لا المبتدأ، ولا ريب أنّ مناط إفادة التهويل والفخامة هنا هو : ما يوم الدين أيّ شيء عجيب هو في الهول والفضاعة ؟ انظر أبا السعود. قال ابن عباس رضي الله عنه : كل ما في القرآن من قوله تعالى :﴿وما أدراك﴾ فقد دراه، وكل ما فيه من قوله :﴿وما يدريك﴾ فقد طوي عنه. هـ. وينتقض بقوله تعالى :﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىا﴾ [عبس : ٣].


الصفحة التالية
Icon