سورة المطففين
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ويل للمطفيين﴾، الويل : شديد الشر، أو : العذاب الأليم، أو : واد في جهنم يهوي الكافر فيه أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره، وقيل : كلمة توبيخ وعذاب، وهو مبتدأ، سوّغ الابتداء به معنى الدعاء. والتطفيف : البخس في الكيل والوزن، وأصله : من الشيء الطفيف، وهو القليل الحقير، رُوي أنَّ رسول الله ﷺ قَدِمَ المدينة فوجدهم يُسيئون الكيل جدًّا، فنزلت، فأحْسَنوا الكيلَ، وقيل : قدمها وبها رجل يُعرف بأبي جهينة، ومعه صاعان، يكيل بأحدهما، ويكتال بالآخر، وقيل : كان أهل المدينة تُجاراً، يطففون، وكانت بياعتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة، فنزلت، فخرج رسولُ الله ﷺ فقرأها عليهم، وقال ﷺ :" خَمْسٌ بخمس، ما نَقَض قومٌ العهد إلاّ سلَّط الله عليهم عدوّهم، ولا حَكَموا بغير ما أنزل الله إلاَّ فَشَى فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشى فيهم الموت، ولا طَفّفوا الكيل إلاَّ مُنِعُوا النبات، وأُخذوا بالسنين، ولا
٢٥٨
مَنَعُوا الزكاة إلاَّ حبس اللهُ عنهم المطر ". ثم فسّر التطفيف الذي استحقوا عليه الذم والدعاء عليهم بالويل، فقال :﴿الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفُون﴾ أي : إذا أخذوا بالكيل من الناس بالشراء ونحوه يأخذون حقوقهم وافية تامة، ولمّا كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً يضرّهم، ويتحامل فيه عليهم ؛ أبدل " على " مكان " مِنْ " للدلالة على ذلك، ويجوز أن يتعلّق " على " بـ " يستوفون "، وتقدّم المفعول على الفعل لإفادة الاختصاص، أي : يستوفون على الناس خاصة، وقال الفراء :" مِنْ " و " على " يتعاقبان في هذا الموضع ؛ لأنه حقّ عليه، فإذا قال : اكتلت عليه، فكأنه قال : أخذت ما عليه، وإذا قال : اكتلت منه، فكأنه قال : استوفيت منه. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥٨


الصفحة التالية
Icon