ثم عَظَّم أمره فقال :﴿وما أدراك ما﴾ هو ﴿سِجّينٌ﴾ أي : هو بحيث لا يبلغه دراية أحد، وقوله تعالى :﴿كتاب مرقوم﴾، قال الطيبي : هو على حذف مضاف، أي : موضع كتاب مرقوم. هـ. أو : فيه كتاب مرقوم، وهو بدل من " سِجّين " أو : خبر عن مضمر، بحذف ذلك المضاف، وأمّا مَن جعله تفسيراً لسجّين، بأن جعل سجيناً هو نفس الكتاب المرقوم ؛ فلا يصح ؛ إذ يصير المعنى حينئذ : إنَّ كتاب الفجار لفي كتاب، ولا معنى له. ﴿ويل يومئذٍ للمكَذّبين﴾ هو متصل بقوله :﴿يوم يقوم الناسُ لرب العالمين﴾ وقيل : ويل يوم يخرج ذلك المكتوب للمكذّبين ﴿الذين يُكَذِّبون بيوم الدين﴾ ؛ الجزاء والحساب، ﴿وما يُكَذِّب به﴾ ؛ بذلك اليوم ﴿إِلاَّ كُل معتدٍ﴾ ؛ مجاوِز للحدود التي حدّتها الشريعة، أو مجاوِز عن حدود النظر والاعتبار حتى استقصر قدرة الله على إعادته، ﴿أثيمٍ﴾ ؛ مكتسب للإثم منهمك في الشهوات الفانية حتى شغلته عما وراءها من اللذة الباقية، وحملته على إنكارها، ﴿إِذا تُتلى عليه آياتُنا﴾ التنزيلية الناطقة بذلك ﴿قال﴾ : هي ﴿أساطيرُ الأولين﴾ أي : أحاديث المتقدمين وحكايات الأولين، والقائل : قيل : الوليد بن المغيرة، وقيل : النظر بن الحارث، وقيل : عام لمَن اتصف بالأوصاف المذكورة.
﴿كلاَّ﴾ ردع للمعتدي الأثيم عن ذلك القول الباطل وتكذيب له، ﴿بل رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسِبون﴾، هو بيان لما أدّى بهم إلى التفوُّه بهذه العظيمة، أي : ليس في آياتنا ما يصحح أن يُقال فيها هذه المقالات الباطلة، بل رانت قلوبهم وغشّاها ما كانوا
٢٦٠
يكسبون من الكفر والجرائم حتى صارت عليهم كالصدأ للمرآة، فحال ذلك بينهم وبين معرفة الحق، كما قال ﷺ :" إن العبد كلما أذنب ذنباً حصل في قلبه نكتة سوداء، حتى يسوّد قلبه.. " الحديث، أي : ولذلك قالوا ما قالوا. والرين : الصدأ، يقال : ران عليه الذنب وغان ريناً وغيناً.