يُسقون من رحيقٍ} ؛ شراب خالص لا شوب فيه، وقيل : هو الخمر الصافية، ﴿مختومٌ﴾ ؛ مغلق عليه، ﴿ختامه مِسْكٌ﴾ أي : مختوم أوانيه وأكوابه بالمسك مكان الطين، كما يفعل أهل الدنيا بأوانيهم إذا أرادوا حِفظها وصيانتها، ولعله تمثيل لكمال نفاسته، أو : أخره وتمامُه مسك، أي : يجد الشارب عند آخر شربه رائحة المسك. وقُرىء " خاتِمَه " بكسر التاء وفتحها. ﴿وفي ذلك﴾ الرحيق أو ما تقدّم من نعيم الجنان ﴿فليتنافس المتنافسون﴾ ؛ فليرغب الراغبون، وليجتهد المجتهدون، أو فليسبق المستبقون، وذلك بالمبادرة إلى الخيرات، والكفّ عن السيئات. وأصل التنافس : التغالب في الشيء النفيس، وهو من النفس لعزتها، وقال البغوي : وأصله : من الشيء النفيس الذي تحرص عليه النفوس، ويريده كل أحد لنفسه، وينفَسُ به على غيره، أي : يضِنُّ به.
٢٦٣
قوله تعالى :﴿ومِزَاجُه من تسنيمٍ﴾ : عطف على (خِتامه) صفة أخرى للرحيق، وما بينهما اعتراض مقرر لنفاسته، أي : ما يمزَج به ذلك الرحيق هو من ماء التسنيم، والتسنيم اسم لعين بعينها في الفردوس الأعلى، سُميت بالتسنيم الذي هو مصدر من " سنّمه " إذا رفعه، لأنها أرفع شراب في الجنة، ثم فسّرها بقوله :﴿عيناً﴾، فهو منصوب على المدح أو الاختصاص، أو على الحال مع جمودها لوصفها بقوله :﴿يشربُ بها﴾ أي : منها ﴿المقربون﴾، قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما : فيشربها المقربون صِّرفاً، وتمزج لأصحاب اليمين. هـ. والمقربون هم أهل الفناء في الذات، أهل الشهود والعيان، والأبرار أهل الدليل والبرهان، وهم أهل اليمين، وذلك أنَّ المقربين لَمّا أخلصوا محبتهم لله، ولم يُحبوا معه شيئاً من الدنيا خلُصَ لهم الشراب في الآخرة، وأهل اليمين، لَمّا خلطوا في محبيتهم خلّط شرابهم، فالدنيا مزرعة الآخرة، فمن صَفّا صُفيَ له، ومَن كَدّر كُدّر عليه.


الصفحة التالية
Icon