وقال القشيري : وتنافسهم فيه بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة، وتعليق القلب بالله، والانسلاخ من الأخلاق الدنية، وجولان الهمم في الملكوت، واستدامة المناجاة. هـ. ومِزاجه من تسنيم، وهو عين بحر الوحدة الصافية، التي قال فيها القطب ابن مشيش رضي الله عنه : وأغرقني في بحر الوحدة.. الخ، ولذلك فسّرها تعالى بقوله :﴿عيناً يشرب بها المقربون﴾ فالمقربون يشربونه صرفاً في الدنيا والآخرة، ويمزج لغيرهم، قال بعضهم : لأنه ليس مَن احتمل حمل الصفات كمن قَوِي على مشاهدة الذات، وشربها المقربون صرْفاً لحملهم الذات والصفات جميعاً. هـ. ولأنهم صفّوا محبتهم في الدنيا من شوائب الهوى، فصفّى شرابهم في دار البقاء، وفي هذا المقام ينبغي التنافس الحقيقي، كما قال الشاعر :
فروحي وريحاني إذا كنت حاضراً
وإن غبتَ فالدنيا عليّ محابسُ
إذا لم أنافس في هواك ولم أغر
عليكَ ففي مَن ليت شعري أنافس
فلا تمقتن نفسي فأنت حبيبُها
فكل امرىء يصبو إلى مَن يجانس
فتنافس الأبرار في حيازة النعيم، وتنافس المقربين في حيازة المنعِم، تنافسُ الأبرار
٢٦٥
في نعيم الأشباح وتنافس المقربين في نعيم الأرواح، ورضوان من الله أكبر، ذلك هو الفوز العظيم، جعلنا الله من أهل التنافس فيه وفي شهوده، آمنين.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٦٢