يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ الذين أجرموا﴾ ؛ كفروا، كأبي جهل والوليد والعاص بن وائل وأضرابهم، ﴿كانوا من الذين آمنوا﴾ كعمّار وصُهيب وخباب وبلال ﴿يضحكون﴾ استهزاء بهم، ﴿وإِذا مَرُّوا بهم يتغامزون﴾ ؛ يُشير بعضهم إلى بالعين طعناً فيهم وعيباً لهم، وقيل : جاء عليٌّ في نفر من المسلمين، فسخر منهم المنافقون، وضحكوا وتغامزوا، وقالوا : أترون هذا الأصلع ؟ فنزلت قبل أن يصل إلى رسول الله ﷺ، فتكون الآية على هذا مدنية، ﴿وإِذا انقلبوا إلى أهلهم﴾ أي : إذا رجع الكفار إلى منازلهم ﴿انقلبوا فاكهين﴾، متلذذين بذكرهم بالسوء، أو متعجبين، وقرأ حفص :﴿فكهين﴾ بالقصر، أي : أشرين أو فرحين، وقال الفراء : هما سواء كطاعن وطعن.
﴿وإِذا رَأَوهم﴾ أي : رأى الكافرون المؤمنين ﴿قالوا إِنَّ هؤلاء لضالُّون﴾ أي : مخدوعون، أي : خدع محمدٌ هؤلاء فضلُّوا وتركوا اللذّات لما يرجونه في الآخرة من الكرامات، فقد تركوا العاجل بالآجل، والحقيقة بالخيال، وهذا عين الضلال، ولم يشعر هؤلاء الكفرة أنَّ ما اغترُّوا به وانهمكوا فيه هو عين الضلال، قال تعالى :﴿وما أُرسلوا عليهم حافظين﴾ أي : وما أرسل الكفّار على المسلمين، يحفظون أعمالهم، ويرقبون أحوالهم. والجملة حال، أي : قالوا ذلك والحال أنهم ما أُرسلوا من جهة الله تعالى موكّلين بهم، مهيمنين على أعمالهم، يشهدون برُشدهم وضلالهم، بل أُمروا بإصلاح أنفسهم، فاشتغالهم بذلك أولى من تتبُّع عورات غيرهم.