الإشارة : يا أيها الإنسان الطالب الوصول، إنك كادح إلى ربك كدحاً بالمجاهدة والمكابدة فمُلاقيه بالمشاهدة المعاينة في مقام الفناء والبقاء، فأمّا مَن أُوتي كتابه السابق له في الأزل " بيمينه " بكونه من أهل اليمين والسعادة " فسوف يُحاسب حساباً يسيراً " فيُؤدب في الدنيا إن وقع منه سوء أدب، " وينقلب إلى أهله " إخوانه في الله " مسروراً " بوصوله إلى مولاه. قال الورتجبي : مسروراً بلقاء ربه، وما نال من قُربه ووصاله، وهذا للمتوسطين، ومَن بلغ إلى حقيقة الوصال وصار أهلاً له لا ينقلب عنه إلى غيره. هـ. وأمّا مَن أُوتي كتابه السابق بخذلانه في الأزل، وراء ظهره، بحيث غفل عن التوجه إلى الله، واتخذه وراء ظهره، فسوف يدعو ثبوراً، فيتمنى يوم القيامة أن لم يكن شيئاً، ويصلى سعير القطيعة والبُعد إنه كان في أهله مسروراً منبسطاً في الدنيا، مواجَهاً بالجمال من أهله وعشيرته، ليس له مَن يؤذيه، وهذا من علامة الاستدراج، ولذلك لا تجد وليًّا إلاَّ وله مَن يُؤذيه، يُحركه إلى ربه، قال بعض الصوفية : قَلَّ أن تجد وليًّا إلاَّ وتحته امرأة تؤذيه. هـ. " إنه " أي : الجاهل ظنّ أن لن يحور إلى ربه في الدنيا ولا في الآخرة، بل يرده اللهُ ويُحاسبه على النقير والقطمير، إنه كان به بصيراً بظاهره وباطنه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٦٩
يقول الحق جلّ جلاله :﴿فلا أُقسم بالشفقِ﴾ وهي الحُمرة التي تُشاهد في أفق المغرب بعد الغروب، أو : البياض الذي يليها، سمي به لرقَّته، ومنه : الشفقة التي هي رقة القلب. ﴿والليلِ وما وَسَقَ﴾ ؛ وما جمع وضمَّ، يقال : وسقه فاتسق، أي : جمعه فاجتمع، أي : وما جمعه من الدواب وغيرها، أو : ما جمعه من الظلمة والكواكب، وما عمل فيه من التهجد، ﴿والقمرِ إِذا اتَّسَقَ﴾ أي : اجتمع ضوؤه وتمّ نوره ليلة أربع عشرة.