﴿إِنَّ بطشَ ربك لشديدٌ﴾، البطش : الأخذ بعنف، فإذا وُصف بالشدة فقد تفاقم وتعاظم أمره. والمراد : أخذ الظلمة والجبابرة بالعذاب والانتقام، وهو استئناف، خواطب به النبي ﷺ إيذاناً بأنَّ لكفار قوهه نصيباً موفوراً من مضمونه، كما يُنبىء عنه التعرُّض لعنوان الربوبية مع الإضافة لضميره صلى الله عليه وسلم. ﴿إِنه هو يُبدىء ويُعيد﴾ أي : هو يُبدىء الخلق وهو يُعيده، من غير دخلٍ لأحد في شيء منها. ففيه مزيد تقرير لشدة بطشه، فقد دلّ باقتداره على البدء والإعادة على شدة بطشه، أو : هو يُبدىء البطش بالكفرة في الدنيا ويُعيده في الآخرة. ﴿وهو الغفورُ﴾ الساتر للعيوب، الغافر للذنوب، ﴿الودودُ﴾ المحب لأوليائه، أو : الفاعل بأهل طاعته ما يفعله الودود، من إعطائهم ما أرادوا، ﴿ذو العرش﴾ أي : خالقه ومالكه، وقيل : المراد بالعرش : المُلك، أي : ذو السلطة القاهرة ﴿المجيدُ﴾ بالجر صفة للعرش، وبالرفع صفة لذُو، أي : العظيم في ذاته، فإنه واجب الوجود، تام القدرة ﴿فعَّالٌ لما يُريد﴾ بحيث لا يتخلّف عن إرادته مراد من أفعاله تعالى وأفعال عباده، ففيه دلالة على خلق أفعال العباد، وهو خبر عن محذوف.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٧٨
هل أتاك حديثُ الجنود﴾ أي : قد أتاك حديث الطاغية والأمم الخالية. وهو استفهام تشويق مقرر لشدّة بشطه تعالى بالظَلَمة العصاة، والكفرة العتاة. وكونه فعال لما يُريد مع تسليته ﷺ بأنه سيصيب قومه ﷺ ما أصاب تلك الجنود. ﴿فرعونَ وثمودَ﴾ ؛ بدل من الجنود ؛ لأنَّ المراد بفرعون هو وقومه. والمراد بحديثهم : ما صدر منهم من التمادي على الكفر والضلال، وما حلّ بهم من العذاب والنكال، أي : قد أتاك حديثهم، وعرفت ما فعل بهم، فذكّر قومك ببطش الله تعالى، وحذّرهم أن يُصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم.