﴿بل الذين كفروا في تكذيبٍ﴾، إضراب عن مماثلتهم، وبيان لكونهم أشد منهم في الكفر والطغيان، كأنه قيل : ليسوا مثلهم في ذلك، بل هم أشد منهم في استحقاق العذاب واستيجاب العقاب، فإنهم مستقرُّون في تكذيبٍ شديد للقرآن الكريم، أو كأنه قيل : ليست جنايتهم مجرد عدم التذكُّر والاتعاظ بما سمعوا من حديثهم، بل هم مع ذلك في تكذيب شديدٍ للقرآن الناطق بذلك، لكن لا أنهم يكذبون بوقوع تلك الحادثات، بل لكون ما نطق به قرآناً من عند الله تعالى مع وضوح أمره، وظهور حاله، بالبينات الباهرة. ﴿واللهُ من ورائهم محيط﴾ ؛ عالم بأحوالهم، قادر عليهم، لا يفوتونه. وهو تمثيل لعدم نجاتهم من بأس الله تعالى بعدم فوات المحاط المحيط.
﴿بل هو قرآن مجيد﴾ أي : بل هذا الذي كذّبوا به قرآن شريف عالي الطبقة في الكتب السماوية، وفي نظمه وإعجازه، وهو رد لكفرهم وإبطال لتكذيبهم، وتحقيق للحق، أي : ليس الأمر كما قالوا، بل هو كتاب شريف ﴿في لوح محفوظ﴾ من التحريف والتبديل. وقرأ نافع بالرفع صفة للقرآن، والباقي بالجر صفة للوح، أي : محفوظ من
٢٧٩
وصول الشياطين إليه. واللوح عند الحسن : شيء يلوح للملائكة يقرؤونه، وعن ابن عباس رضي الله عنه : هو من درّة بيضاء، طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، قلمه نور، وكل شيءٍ فيه مسطور. قال مقاتل : هو عن يمين العرش، وقيل : أعلاه معقود بالعرش، وأسفله في حِجْرِ ملَك كريم هـ.


الصفحة التالية
Icon