جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٨
قد أفلحَ} أي : نجا من كل مكروه وظفر بكل ما يرجوه ﴿مَن تَزَكَّى﴾ أي : تطهّر من الكفر المعاصي بتذكيرك ووعظك، ﴿وذَكَرَ اسمَ ربه﴾ بقلبه ولسانه ﴿فصَلَّى﴾ ؛ أقام الصلوات الخمس، أو : أفلح مَن زكَّى ماله، وذكر الله في صلاته، كقوله :﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ
٢٨٨
لِذِكْرِيا﴾ [طه : ١٤] فيكون تفعَّل من الزكاة، أو : أفلح مَن تزكّى : أخرج زكاة الفطر، وذكر اسم ربه في طريق خروجه إلى أن يخرج الإمام، فصَلّى صلاةَ العيد، وقد روي هذا عن النبيّ ﷺ فتكون الآية مدنية، أو : إخباراً بما سيكون، إذ لم تُشْرَعْ زكاة الفطر، ولا صىلا العيد إلاَّ بالمدينة.
﴿بل تُؤْثِرون الحياةَ الدنيا﴾ على الآخرة، فلا تفعلون ما به تفلحون، وهو إضراب عن مُقَدَّر ينساق إليه الكلام، كأنه قيل إثر بيان ما يؤدي إلى الفلاح : فلا تفعلون ذلك بل تؤثرون اللذات العاجلة الفانية، فتسعون لتحصِيلها، وتشتغلون بذلك عن التزوُّد للأخرة، ﴿والآخرةُ خير وأبقى﴾ أي : خير في نفسها، لنفاسة نعيمها، وخلوصه من شوائب التكدير، وأدوم لا انصرام له ولا تمام. والخطاب للكفرة. بدليل قراءة الغيب، وإيثارها حينئذ : نسيانها بالكلية، والإعراض عنها، أو : للكل، فالمراد بإيثارها : هو ما لا يخلوا الناس منه غالباً، من ترجيح جانب الدنيا على الآخرة في السعي، إلاّ القليل. قال الغزالي : إيثار الحياة الدنيا طبع غالب على الإنسان، قَلَّ مَن ينفك عنه، ولذلك قال تعالى :﴿بل تؤثرون الحياة الدنيا﴾. وجملة :﴿والآخرة...﴾ الخ : حال من فاعل ﴿تُؤثرون﴾ مؤكد للتوبيخ والعتاب، أ ي : تؤثرونها على الآخرة والحال أنها خير منها وأبقى، قال بعضهم لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من طين يبقى، لكان العاقل يختار ما يبقى على ما يفنى، لا سيما والأمر بالعكس. هـ.