﴿وأمّا إِذا ما ابتلاه فَقَدَرَ عليه رزقَه﴾ أي : ضَيّق عليه رزقه، وجعله بمقدار بلغته، حسبما تقتضيه ميشئته المبينة على الحِكَم البالغة، ﴿فيقول ربي أهاننِ﴾، ولا يخطر بباله أنَّ ذلك لِيبلوه أيصبر أم يجزع، مع أنه ليس من الإهانة في شيءٍ بل التقتير قد يُؤدي إلى كرامة الدارين، والتوسعة قد تفضي إلى خسرانهما، فالواجب لمَن علم أنَّ ربه بالمرصاد منه أن يسعى للعاقبة، ولا تَهمّه العاجلة، وهو قد عكسن فإذا امتحنه ربه بالنعمة والسعة ليشكر قال ربي أكرمني، وفضّلني بما أعطاني، فيرى الإكرام في كثرة الحظّ من الدنيا، وإذا امتحنه بالفقر، فَقَدَر عليه رزقه ليصبر، قال : ربّي أهانني، فيرى الهوان في قلة الحظ من الدنيا ؛ لأنه لا يهمه إلاَّ العاجلة، وهو ما يلذّه وينعِّمه فيها، وإنما أنكر قوله :﴿ربي أكرمن﴾ مع أنه أثبته بقوله :﴿فأكرمه ونعَّمه﴾، لأنه قاله على قصد خلاف ما صحّحه الله عليه وأثبته، وهو قصده إلى أن الله أعطاه إكراماً له لاستحقاقه، كقوله :﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىا عِلْمٍ عِندِيا﴾ [القصص : ٧٨] وإنما أعطاه الله ابتلاءً من غير استحقاق منه، فردّ تعالى عليه زعمه بقوله :﴿كلاَّ﴾ أي : ليس الإكرام والإهانة في كثرة المال وقلّته، بل الإكرام في التوفيق للطاعة، والإهانة في الخذلان فـ " كلا " ردع للإنسان عن مقالته، وتكذيب له في الحالتين، قال ابن عباس : المعنى : لم أبتله بالغنى لكرامته عليّ، ولم أبتله بالفقر لهوانه عليّ، بل ذلك بمحض القضاء والقدر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٠


الصفحة التالية
Icon