وقوله تعالى :﴿بل لا تُكرِمون اليتيمَ﴾ انتقال من بيان سوء أقواله إلى بيان سوء أفعاله، والالفتات إلى الخطاب ؛ للإيذان بمشافهته بالعتاب، تشديداً للتقريع، وتأكيداً للتشنيع، والجمع باعتبار معنى الإنسان، إذ المراد به الجنس، أي : بل لكم أحوال أشد شرًّا مما ذكر، وأدل على تهالككم على المال، حيث يُكرمكم الله تعالى بكثرة المال فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم بالمبّرة به.
﴿ولا تَحاضُّون على طعام المسكين﴾ أي : يحض بعضُكم بعضاً على إطعام المساكين، ﴿وتأكلون التراثَ﴾ أي : الميراث، وأصله الوُراث، فقلبت الواو تاء، ﴿أكلاً لمّا﴾ أي : ذا لَمّ، وهو الجمع بين الحلال والحرام، فإنهم كانوا لا يُورِثون النساء والصبيان، ويأكلون أنصباءهم، ويأكلون كل ما تركه المُورّث من حلال وحرام، عالمين بذلك، ﴿وتُحبون المالَ حباً جماً﴾ أي : كثيراً شديداً، مع الحرص ومنع الحقوق، ﴿كَلاًّ﴾ ردعٌ عن ذلك، وإنكارٌ عليهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : إنَّ ربك لبالمرصاد، المطلع على أسرار العباد، العالم بمَن أقبل عليه أو أدبر عنه، ثم يختبرهم بالجمال والجلال، فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربُّه فأكْرَمه ونَعَّمَه في الظاهر، فيقول ربي أكرمني، ويبطر ويتكبّر، وأمّا إذا ما ابتلاه فقَدَر عليه رزقه فيقول ربي أهانني، ويقنط ويتسخّط، كَلاَّ لِينزجرا عن اعتقادهما وفعلهما، وليعلما أنه اختبار من الحق، فمَن شكر النِعم، وأطعم الفير والمسكين، وأبرّ اليتيم والأيم، كان من الأبرار،
٣٠١


الصفحة التالية
Icon