وإن عكس القضية كان من الفُجّار، ومَن صبر على الفقر، ورضي بالقسمة، وفرح بالفاقة، فهو من الأولياء، ومَن عكس القضية كان من البُعداء، فَمن نظر الإنسان القصير ظنُ النقمة نعمة، والنعمة نقمة، فبسطُ الدنيا على العبد قبل معرفته بربه هوانٌ، وقبضها عنه أحسان، وفي الحكم :" ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك ". ثم زجر الحقُّ تعالى عن التمتُّع الشهواني البهيمي، وعن محبة المال الفاني، وهو من فعل أهل الانهماك في الغفلة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٠
يقول الحق جلّ جلاله :﴿كلا إِذا دُكَّتِ الأرْضُ﴾ أي : زُلزلت ﴿دَكاً دَكاً﴾ أي : دكاً بعد دكّ، أي : كرّر عليها الدكّ حتى صارت هباءً منبثاً، أو قاعاً صفصفاً، ﴿وجاء ربُّك﴾ أي : تجلّى لفصل قضائه بين عباده، وعن ابن عباس : أمره وقضاؤه، ﴿والمَلكُ صفاً صفاً﴾ أي : نزل ملائكة كل سماء فيصفون صفاً بعد صف محدقين بالإنس والجن، ﴿وجيء يومئذٍ بجهنمَ﴾، قيل : بُرِّزت لأهلها، كقوله :﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (٩١)﴾ [الشعراء : ٩١] وقيل : يجاء بها حقيقة، وفي الحديث :" يؤتى بجهنم يومئذٍ، لها سبعونَ ألفَ زمامٍ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يَجرُّونها، حتى تنصب عن يسار العرش، لها لغيط وزفير " رواه مسلم.
﴿يومئذ يتذكّرُ الإِنسانُ﴾ أي : يتّعظ، وهو بدل من (إذا دُكت) والعامل فيه :(يتذكّر) أي : إذا دُكت الأرض ووقع الفصل بين العباد يتذكر الإنسان ما فرّط فيه بمشاهدة جزائه، ﴿وأنَّى له الذِّكْرَى﴾ أي : ومن أين له الذكرى ؟ لفوات وقتها في الدنيا، ﴿يقول يا ليتني قدمتُ لحياتي﴾ هذه، وهي حياة الآخرة، أي : يا ليتني قدّمتُ الأعمالَ الصالحة في الدنيا الفانية لحياتي الباقية.


الصفحة التالية
Icon