يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ علينا لَلْهُدى﴾ ؛ إنَّ علينا الإرشاد إلى الحق بنصب الدلائل، وتبيين الشرائع، أو : إن علينا بموجب قضائنا المَبْنيِّ على الحِكَم البالغة، حيث خلقنا الخلق للعبادة، أن نُبيّن لهم طريق الهدى وما يؤدي إليه، وقد فعلنا ذلك مما لا مزيد عليه، حيث بَيَّنَّا حال مَن سلك كلا الطريقين، ترغيباً وترهيباً، فتبيّن أنَّ الهداية هي الدلالة على ما يوصل إلى البُغية، لا الدلالة الموصلة إليها حتماً. قاله أبو السعود.
﴿وإِنَّ لنا للآخرة والأُولى﴾ أي : التصرُّف الكلي فيهما، كيفما نشاء، فنفعل فيهما ما نشاء، فنُعطي الدنيا لمَن نشاء، والآخرة لمَن نشاء، أو نجمع له بينهما، أو نحرمه منهما، فمَن طلبهما مِن غيرنا فقد أخطأ، أو : إنَّ لنا كُلَّ ما في الدنيا والآخرة، فلا يضرنا ترككم الاهتداء بهُدانا.
٣١٣
﴿فَأّنْذَرتكم﴾ ؛ خوَّفتكم ﴿ناراً تلضى﴾ ؛ تتلهب، ﴿لا يَصْلاها إِلاّ الأشقى﴾ ؛ لا يدخلها للخلود فيها إلاّ مَن سبق له الشقاء، ﴿الذي كذَّب وتَوَلَّى﴾ أي : الكافر الذي كذّب الرسولَ ﷺ، وتَوَلى عن الإيمان، ﴿وسَيُجنبها﴾ ؛ وسيبعِّدها ﴿الأتقى﴾ ؛ المؤمن المبالغ في اتقاء الكفر والمعاصي، فلا يحوم حولها، فضلاً عن دخولها، وأمّا مَن دونه ممن يتقي الكفر دون المعاصي فلا يبعد هذا البُعد، وذلك لا يستلزم صليها بالمعنى المذكور، فلا يُنافي الحصر المذكور. ﴿الذي يُؤتى مالَه﴾ للفقراء ﴿يتزكَّى﴾ أي : يطلب أن يكون عند الله زاكياً، لا يُريد به رياءً ولا سمعةً، من : الزكا، وهو الزيادة، أو : تفعّل من الزكاة، أو : يتطهر من الذنوب والعيوب، وهو حال من ضمير " يؤتى ". ﴿وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تُجزى﴾ أي : ليس لأحدٍ عنده نعمة من شأنها تجزى وتكافأ، ﴿إِلاَّ ابتغاءَ وجه ربه﴾ : استثناء منقطع، أي : لكن يفعل ذلك ابتغاء وجه ربه ﴿الأعلى﴾ أي : الرفيع بسلطانه، المنيع في شأنه وبرهانه.


الصفحة التالية
Icon