سورة الضحى
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٥
يقول الحق جلّ جلاله :﴿والضُحى﴾، المراد به : وقت الضحى، وهو حدود النهار حتى ترتفع الشمس، وإنما خُصّ بالإقسام به لأنه الساعة التي كلّم الله فيها موسى عليه السلام، والتي وقع فيها السحرة ساجدين، أو : النهار كلّه ؛ لمقابلته بالليل في قوله :﴿والليلِ إِذا سجى﴾ ؛ سَكَن، المراد : سكون الناس والأصوات فيه، أو ركد ظلامه، من : سجا البحر إذا سكنت أمواجه، وقيل : المراد بالضحى : ساعة مناجاة موسى، وبالليل : ليلة المعراج.
وجواب القسم :﴿ما ودّعَكَ ربُّك﴾ أي : ما تركك منذ اختارك، ﴿وما قَلَى﴾ أي : وما أبغضك منذ أحبك، والتوديع : مبالغةٌ في الودْع، وهو الترك ؛ لأنَّ مَن ودّعك مفارقاً فقد بالغ في تركك. رُوي أنَّ الوحي تأخّر عن رسول الله ﷺ أياماً، فقال المشركون : إنَّ محمداً ودَعَهُ ربُّه وقلاه، فنزلت ردًّا عليهم، وتبشيراً له ﷺ بالكرامة الحاصلة. وحذف الضمير من " قَلَى " إمّا للفواصل، أو للاستغناء عنه بذكره قبل، أو : للقصد إلى نفس صدور الفعل عنه تعالى، مع قطع النظر عما يقع عليه الفعل بالكلية، وحيث تضمّن ما سبق من نفي التوديع، والقَلى أنه تعالى يُواصله بالوحي والكرامة في الدنيا بَشَّر ﷺ بأنّ ما سيؤتاه في الآخرة أجلّ وأعظم بذلك، فقيل :﴿وللآخرةُ خير لك من الأُولى﴾، لأنَّ ما فيها من النِعم
٣١٦
صافية من الشوائب على الإطلاق، وهذه فانية مشوبة بالمضار، وما أوتي ﷺ من شرف النبوة، وإن كان مما لا يُعادله شرف، ولا يُدانيه فضل، لكنه لا يخلو في الدنيا عن بعض العوارض الشاقة على النفس.
ووجه اتصال الآية بما قبلها : أنه لمَّا كان في ضمن نفي التوديع والقَلي أنَّ الله يُواصلك بالوحي إليك، وأنك حبيب الله، ولا ترى كرامة أعظم من ذلك، أخبر أن ما له في الآخرة أعظم وأشرف، وذلك لتقدُّمه على الأنبياء في الشفاعة الكبرى، وشهادة أمته على الأمم، ورفع درجات المؤمنين، وإعلاء مراتبهم بشفاعته، وغير ذلك من الكرامات السنية التي لا تُحيط بها العبارة.