وقوله تعالى :﴿ولَسَوْفَ يُعطيك ربُّك فترضى﴾ وَعْد كريمٌ شاملٌ لِما أعطاه الله تعالى في الدنيا، من كما اليقين، وعلوم الأولين والآخرين، وظهور أمره، وإعلاء دينه بالفتوح الواقعة في عصره ﷺ، وفي أيام خلفائه الراشدين وغيرهم من الملوك الإسلامية، وفشو الدعوة، وإعلاء منار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ولِما ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها إلاَّ الله عزّ وجل، وقد أنبأ ابنُ عباسٍ عن شيء منها، حيث قال :" أعطي في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض، ترابه المسك ". وفي الحديث : لَمَّا نزلت هذه الآية قال ﷺ :" أنا لا أرضى وواحد من أمتي في النار " قال بعضهم : هذه أرجى أية في القرآن. ودخل ﷺ على فاطمة، وعليها ثياب من صوف وشعر، وهي تطحن وتُرضع ولدها، فدمعت عيناه، وقال :" يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة " ثم تلا :﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾. واللام للقسم، وإنما لم تدخل نون التوكيد لفصل السين بين القسم والفعل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٦
الإشارة : قال القشيري : يُشير إلى القسم بضحوة نهار قلب الرسول، عند انتشار شمس روحه على بشريته، وبِلَيل بشريته عند أحكام الطبيعة وسلوك آثار البشريه لغلبة سلطان الحقيقة، ما ودَّعك ربك بقطع فيض النبوة والرسالة عن ظاهرك، وما قَلَى بقطع فيض الولاية عن قلبك، ﴿وللآخرةُ خير لك من الأولى﴾ يعني : أحوال نهايتك أفضل وأكمل من أحوال بدايتك، لأنه ﷺ لا يزال يطير بجناحي الشريعة والطريقة في جو سماء الحقيقة، ويترقّى في مقامات القٌرب والكرامة. هـ. ويمكن الخطاب بالسورة الكريمة لخليفته من العارفين، الدعاة إلى الله. والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٦