جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٢٧
لله في خلقه مِن صنعه عجبُ
كادت حقائقُ في الوجود تنقلب
كلم بعين تُرى لا الأذنُ تسمعها
خطابُها حاضر وأهلها ذهبوا
الإشارة : اقرأ بربك لتكون به في جميع أمورك، الذي أظهر الأشياء ليُعرف بها، وأظهر المظهر الأكبر ـ وهو الإنسان ـ من علقة مهينة، ثم رفعه بالعلم إلى أعلى عليين، فرفعه من حضيض النطفة الخبيثة إلى ارتفاع العلم والمعرفة، ولذلكم قال :(اقرأ وربك الأكرم) الذي تكرَّم عليك وعلّمك ما لم تكن تعلم، الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يكن يعلم. والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٢٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿كلاَّ﴾، هو ردع لمحذوف، دلّ الكلام عليه، كأنه قيل : خلقنا الإنسان من علق، وعلّمته ما لم يعلم ليشكر تلك النعمة الجليلة، فكفر وطغى، كلا لينزجر عن ذلك ﴿إِنَّ الإِنسان ليطغى﴾ ؛ يجاوز الحد ويستكبر عن ربه. قيل : هذا إلى آخر السورة نزل في أبي جهل بعد زمان، وهو الظاهر. وقوله :﴿أن رآه استغنى﴾ مفعول له،
٣٢٨
أي : ليطغى لرؤية نفسه مستغنياً، على أنَّ " استغنى " مفعول لرأى، لأنه بمعنى عَلِم، ولذلك شاع كون فاعله ومفعوله ضميريْ واحد كما في " ظننتني وعَلِمتني " وإن جوّزه بعضهم في الرؤية البصرية أيضاً، وجعل من ذلك قول عائشة رضي الله عنها :" رأيتني مع رسول الله ﷺ وما لنا طعام إلا الأسودان، الماء والتمر "، والمشهور أنه خاص بأفعال القلوب. وحاصل الآية : أن سبب طغيان الإنسان هو استغناؤه بالمال، وسبب تواضعه هو فقره.


الصفحة التالية
Icon