وقوله تعالى :﴿فأثَرْنَ به نَقْعاً﴾ أي : غباراً، عطف على الفعل الذي دلّ عليه اسم الفاعل، إذا المعنى : واللاتي عدون فأَوْرَين فأغرن فأثرن، أي : هيّجن به غباراً، وتخصيص إثارته بالصُبح لأنه لا تظهر إثارته بالليل، كما أنَّ الإيراء الذي لا يظهر بالنهار واقع بالليل. والحاصل : أنّ العَدْو كان بالليل وبه يظهر أثر القدح من الحوافر، ولا يظهر النقع إلاّ في الصبح. ﴿فَوسَطْنَ به﴾ أي : فوسطن بذلك الوقت ﴿جَمْعاً﴾ من جموع الأعداء، والفاء
٣٤١
لترتيب ما بعد كل على ما قبله، فإنَّ توسط الجمع مترتب على الإثارة المترتب على الإغارة، المترتبة على الإيراء، والمترتب على العدْو.
وجواب القسم : قوله تعالى :﴿إِنَّ الإِنسانَ لِربه لَكَنُود﴾ أي : لَكفور، من : كند النعمة : كَفَرها. وقيل : الكنود هو الذي يمنع رفده، ويأكل وحده، ويضرب عبده. وقيل : اللوّام لربه، يَعْد المحنَ والمصائبَ، وينسى النعم والراحات. وعلى كل حالٍ فلا يخرج عن أن يكون فسقاً أو كفراً أو تقصيراً في شكر الله على نعمه، وتقصيراً وتفريطاً في الاستعداد للقائه، وفي التعظيم لجنابه، وبالجملة فهو القليل الخير، ومنه : الأرض الكنود، التي لا تُنبت شيئاً. قال : في الحاشية الفاسية : والظاهر من سياق السورة أنّ الكنود هو مَن اهتمامه بدنياه دون آخرته، ولذلك كان حريصاً على المال، ويرتكب المشاق في جمعه، ولا يُبالي بآخرته، ولا يستعد لمآله ولا لآخرته، ولا يُقَدِّم لها، وذلك لغفلته وجهله بربه وما أراده منه، وطلبه من السعي للآخرة، وقد ضَمِنَ له رزقه، فلذلك بعد أن عدّد مذامّه هدّده ورهّبه بقوله :﴿أفلا يعلم...﴾ الآية. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤١