وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ المنفوشِ} كالصوف الملون بالألوان المختلفة في تفرُّق أجزائها وتطايرها في الجو، حسبما نطق به قوله تعالى :﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً...﴾ [النمل : ٨٨] الآية، وكلا الأمرين من آثار القارعة بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق، يُبدِّل الله الأرضَ غير الأرض، بتغيير هيئاتها وتسير الجبال سيراً عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة ليشاهدها أهل المحشر، وهي وإن اندكت وتصدّعت عند النفخة الأولى، لكن تسيير وتسويتها يكونان بعد النفخة الثانية، كما ينطق به قوله تعالى :﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً (١٠٥)﴾ [طه : ١٠٥] الآية، ثم قال :﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ﴾ [طه : ١٠٨] وقوله تعالى :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ [إبراهيم : ٤٨]، الآية، فإنَّ اتباع الداعي، وهو إسرافيل، وبروز الخلق لله تعالى لا يكون إلاَّ بعد النفخة الثانية. قاله أبو السعود. قلت : دكّ الأرض كلها مع بقاء جبالها غريبَ مع أنَّ قوله تعالى :﴿وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ...﴾ [الحاقة : ١٤] الخ صريح في دك الجبال وتسويتها مع دك الأرض قبل البعث، ويمكن الجمع بأن بعضها تدك مع دك الأرض، وهو ما كان في طريق ممر الناس للمحشر، وبعضها تبقى ليشاهدها أهلُ المحشر، وهو ما كان جانباً، والله تعالى أعلم بما سيفعل، وسَتَرِد وترى.


الصفحة التالية
Icon