سورة التكاثر
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ألهاكم التكاثُر﴾ أي : شغلكم التغالب في الكثرة والتفاخر بها. رُوي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا، وتعادُّوا بالسادة والأشراف، فقال كُلُّ فريق منهم : نحن أكثر منكم سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم نفراً، فكثرهم بنو عبد مناف، فقالت بنو سهم : إنَّ البغي في الجاهلية أهلكنا، فعادّونا بالأحياء والأموات، ففعلوا، وقالوا : قبر فلان، وهذا قبر فلان، فكثرهم بنو سهم. والمعنى : أنكم تكاثرتم بالأحياء ﴿حتى زُرتم المقابر﴾ أي : إذا استوعبتم عددكم صرتم إلى الأموات، فعبّر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة القبور تهكُّماً بهم. وقيل : كانوا يزورون القبور، ويقولون هذا قبر فلان، يفتخرون بذلك، وقيل : المعنى : ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد، حتى متُّم وقُبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا، معرضين عما يمهمكم من السعي للآخرة، فيكون زيارة القبور عبارة عن الموت.
قال عبد الله بن الشخِّير : قرأ النبيًّ ﷺ ﴿ألهاكم التكاثر﴾ فقال :" يقول ابن آدم : ما لي، وليس له من ماله إلا ثلاث، ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تَصَدَّق فأبقى " وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس. واللام في (التكاثر) للعهد الذهني، وهو التكاثر بما يشغل عن الله، فلا يشمل التكاثر في العلوم والمعارف والطاعات والأخلاق، فإنَّ ذلك مطلوب ؛ لأنَّ بذلك تُنال السعادة في الدارين، وقرينة ذلك قوله تعالى :﴿ألهاكم﴾ فإنه
٣٤٧
خاص بما يُلهي عن ذكر الله والاستعداد للآخرة، حتى أنه لو تناول الدنيا على ذكر الله لم تُذمّ، وليست بلهو حينئذ، ولذلك جاء :" الدنيا ملعونةٌ ملعون ما فيها إلاّ ذكر الله وما والاه " قال الإمامُ : ولم يقل : ألهاكم التكاثر عن كذا، بل تركه مطلقاً ؛ ليدخل تحته جميع ما يحتمله اللفظ، فهو أبلغ ؛ لأنه يذهب فيه الوهم كُلَّ مذهب، أي : ألهاكُم عن ذكر الله، وعن التفكًّر في أمور القارعة، وعن الاستعداد لها، وغير ذلك. هـ.


الصفحة التالية
Icon