وقال بان عطية في قوله :﴿حتى زُرتم المقابرَ﴾ : عن عمر بن عبد العزيز، قال : الآية : تأنيب عن الإكثار من زيارة القبور تكثُّراً بمَن سلف وإشادة عن ذكره، وقد قال ﷺ :" كنت نهيتُكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هُجْراً " فكان نهيه ﷺ في معنى الآية، ثم أباح بَعْدُ للاتعاظ، لا لمعنى المباهاة والافتخار، كما يصنع الناس في ملازمتها وتعليتها بالحجارة والرخام، وتلوينها شرفاً وبنيان النواويس عليها. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٧
وقال ابن عرفة : زيارة المقابر محدودة، أي : كيوم في شهر، مثلاً، وكان بعضهم يقول : إذا رأيتم الطالب في ابتداء أمره يستكثر من زيارة المقابر، ومن مطالعة رسالة القشيري، فاعلم أنه لا يفلح ؛ لاشتغاله عن طلب العلم بما لا يُجدي شيئاً. هـ. أي : لا يفوز بعلم الظاهر ؛ لأنَّ علم الباطن يُفتِّر عن الظاهر، فينبغي لمَن كان فيه أهلية للعلم أن يفرده، حتى يحرز منه ما قسم له، ثم يشتغل بعلم الباطن، بصُحبة أهله، وإلاَّ فمطالعة الكتب بلا شيخ لا توصل إليه، وإنما ينال بمحبة القوم فقط، وفيها مقنع لمَن ضعفت همته.
ثم زجر عن التكاثر فقال :﴿كَلاَّ﴾ أي : ليس الأمر على ما أنتم عليه، أو كما يتوهمه هؤلاء، فهو رَدْع وتنيبه على أنَّ العاقل ينبغي ألاَّ يكون معظم همه مقصوراً على الدنيا، فإنَّ عاقبة ذلك وخيمة، ﴿سوف تعلمون﴾ سوء عاقبة ما أنتم عليه إذا عاينتم عاقبته، ﴿ثم كّلاَّ سوف تعلمون﴾، تكرير
٣٤٨
للتأكيد، و(ثم) دلالة على أنَّ الثاني أبلغ من الأول، والأول عند الموت أو في القبر، والثاني عند النشور.