﴿كَلاَّ لو تعلمون عِلمَ اليقين﴾ أي : لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين، كعلمكم ما تستيقنونه لفعلتم من الطاعات ما لا يوصف، ولا يكتنه كنهة، فحذف الجواب للتهويل. قال الفخر : الآية تهديد عظيم للعلماء، فإنها دلّت على أنه لو حصل اليقين بما في التكاثر من الآفة لتركوا التكاثر والتفاخر، وهذا يقتضي أنَّ مَن لا يترك التكاثر والتفاخر لا يكون اليقين حاصلاً له، فالويل للعالم الذي لا يكون عاملاً، ثم الويل له. هـ. ﴿لَتَرَوُنَّ الجحيمَ﴾ : جواب قسم محذوف، أكّد به الوعيد وشدّد به التهديد، ﴿ثم لَتَرَوُنَّها﴾ : تكرير للتأكيد، أو : الأولى إذا رأتهم من مكان بعيد، والثانية إذا وردوها، أو الأولى بالقلب، والثانية بالعين، ولذلك قال :﴿عَينَ اليقين﴾ أي : الرؤية التي هي نفس اليقين وحاصلته، فإنَّ علم المشاهدة أقْصَى مراتب اليقين. ﴿ثم لتُسألُن يومئذٍ عن النعيم﴾ أي : عن النعيم الذي ألهاكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه، فإنَّ الخطاب مخصوص بمَن عكفت همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلاَّ ليأكل الطَيّب، ويلبس الطَيّب، وقطع أوقاته في اللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمل نفسه على مشاق الطاعة، فأمّا مَن تمتّع بنعمة الله تعالى، وتقوّى بها على طاعته، قائماً بالشكر، فهو من ذلك بمعزلٍ بعيد. وفي الحديث :" يقول الله تبارك وتعالى : ثلاث من النعم لا اسأل عبدي عن شكرهن، وأسأله عما سواه : بيت يكنُّه، وما يُقيم به صلبه من الطعام، وما يُواري به عورَته من اللباس " فالخلائق مسؤولون يوم القيامة عما أنعم عليهم به في الدنيا. والله تعالى أعلم بحالهم، فالكافر يُسأل تبكيتاً وتوبيخاً على شِركه بمَن أنعم عليه، والمؤمن يُسأل عن شكر ما أنعم عليه. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٧


الصفحة التالية
Icon