وقوله :﴿الذي جَمَعَ مالاً﴾ : بدل من " كل "، أو : نصب على الذم، وقرأ حمزة والشامي والكسائي " جَمَّعَ " بالتشديد للتكثير، وهو الموافق لقوله :﴿عدَّده﴾ أي : جعله عُدَّةً لحوادث الدهر، ﴿يَحْسَبُ أنَّ مالَه أخلده﴾ أي : يتركه خالداً في الدنيا لا يموت، وهو تعريض بالعمل الصالح، فإنه أخلد صاحبه في النعيم المقيم، فأمَّا المال فما أخلد أحداً، إنما يخلد العلم والعمل، ومنه قول علِيّ كرّم الله وجه :(مات خُزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر) فالحسبان إمّا حسبان الخلود في الدنيا أو في الآخرة، كما قال القائل :﴿وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىا رَبِّي...﴾ [الكهف : ٣٦] الآية.
﴿كلاَّ﴾ ردع له عن حسبانه. ﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾ ليطرحن ﴿في الحُطَمَة﴾ في النار التي من
٣٥٢
شأنها أن تحطم كلَّ ما يُلقى فيها، ﴿وما أدراك ما الحُطَمَة﴾ تهويل لشأنها، ﴿نارٌ الله الموقدة﴾ أي : هي نار الله التي تتقد بأمر الله وسلطانه، ﴿التي تَطَّلِعُ على الأفئدة﴾ يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم، وتطلع على أفئدتهم، وهي أوساط القلوب، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من فؤاده، ولا أشد تألُّماً منه بأدنى أذى يمسّه، فكيف إذا طلعت عليه نار جهنم، واستولت عليه ؟ وقيل : خصّ الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الزائغة، ومعنى اطلاع النار عليها : أنها تشتمل عليها وتعمها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٢