له، ولقد أنجز الله ـ عزّ وعلا ـ وعده، حيث جعله بحيث لم يبقَ دين من الأديان إلاَّ وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام. وعن مجاهد : إذا نزل عيسى لم يكن إلا دين الإسلام. هـ. ﴿ولو كَرِه المشركون﴾ ذلك، قال الطيبي : قوله تعالى :﴿ومَن أظلم...﴾ الخ، حذَّر تعالى مما لقي قوم موسى من إزاغة القلوب، والحرمان من التوفيق، بسبب الأذى، وما ارتكب قوم عيسى بعد مجيئه بالبينات من تكذيبه وقولهم فيه :" هذا سحر مبين "، ألاَ ترى كيف جمع الكل في قوله :﴿ومن أظلم...﴾ الآية، قال : وقضية الدعوة إلى الإسلام توقير مَن يدعو إليه، وإجابة دعوته. ثم قال : وأمّا قوله :﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ هو تذييل لقوله :﴿ومَن أظلم ممن أفترى...﴾ الآية ؛ لأنّ الظلم هو : وضع الشيء في غير محله، وأيُّ ظلم أعظم من جعل إجابة الداعي إلى الله مفترياً ؟ ! والكفر : التغطية ومحاولة إطفاء النور إخفاء وتغطية، ودين الحق هو التوحيد، والشركُ يقابله، ولذلك قال :﴿ولو كره المشركون﴾. هـ.
الإشارة : سوء الأدب مع الأكابر، وإذايتهم، سبب كل طرد وبُعد، وسبب كلّ ذُل وهوان، وحسن الأدب معهم وتعظيمهم، سبب كُلِّ تقريب واصطفاء، وسبب كُلِّ عز ونصر، ولذلك قال الصوفية :" اجعل عَمَلك مِلحًا، وأدبك دقيقًا ". ألآ ترى بنى إسرائيل حين أساؤوا الأدب مع نبي الله موسى بقولهم :﴿فَـاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَـاتِلآ...﴾ [المائدة : ٢٤] الخ كيف أذلَّهم الله وأخزاهم إلى يوم القيامة، وانظر أصحابَ نبينا ﷺ حيث تأدّبوا غاية الأدب، وقالوا يوم بدر :" لا نقول كما قالت بنو إسرائيل : اذهب أنت وربك، ولكن اذهب أنت وربك ونحن معك، والله لو خُضت بنا ضحضاح البحر لخضناه معك " كيف أعزَّهم الله ونصرهم على سائر الأديان، ببركة حُسن أدبهم ـ رضي الله عنهم وأرضاهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥


الصفحة التالية
Icon