يقول الحق جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا هل أَدُلُّكُمْ على تجارةٍ تُنجِيكم من عذابٍ أليم﴾، وكأنهم قالوا : وما هذه التجارة، أو : ماذا نصنع ؟ فقال :﴿تؤمنون بالله ورسوله وتُجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفُسِكم﴾، وهو خبر بمعنى الأمر، أي :
٣٧
وجاهِدوا، وجيء به بصيغة الخبر للإيذان بوجوب الامتثال، فكأنه قد وقع، فأخبر بوقوعه، وقرىء " تؤمنوا " و " تجاهدوا " على إضمار لام الأمر. ﴿ذلكم خير لكم﴾، الإشارة إلى الإيمان والجهاد بقِسْميه، أي : هو خير لكم من أموالكم وأنفسكم ﴿إن كنتم تعلمون﴾ أنه خير لكم، وقد قلتم : لو نعلم أيّ الأعمال أحب إلى الله لسارعنا، فهذا هو أحب الأعمال إلى الله، أو : إن كنتم من أهل العلم ؛ فإنَّ الجهلة لا يعتد بأفعالهم.
﴿يَغفر لكم ذنوبكم﴾ : جواب للأمر المدلول بلفظ الخبر، على قول، أو شرط مقدّر، أي : إن تُؤمنوا وتُجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم ﴿ويُدْخِلْكم جناتٍ تجري مِن تحتها الأنهارُ ومساكنَ طيبةً﴾ ولا تطيب إلاّ بشهود الحبيب ﴿في جناتِ عَدْن﴾ أي : إقامة لا انتقال عنها. وجنة عدن هي مدينة الجنة ووسطها، يسكنها الصالحون الأبرار من العلماء والشهداء، وفوقها الفردوس، هي مسكن الأنبياء والصدِّيقين من المقربين، هذا هو المشهور، كما في الصحيح، ﴿ذلك الفوزُ العظيمُ﴾ أي : ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة الموصوفة بما ذكر من الأوصاف الجليلة هو الفوز الذي لا فوز وراءه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٧


الصفحة التالية
Icon