﴿اللهُ الصمدُ﴾ وهو فَعَلٌ بمعنى مفعول، من : صمد إليه : إذا قصده، أي : هو السيّد المصمود إليه في الحوائج، المستغني بذاته عن كل ما سواه، المفتقِر إليه كلُّ ما عداه، افتقاراً ضرورياً في كل لحظة، إذ لا قيام للأشياء إلاّ به. أو الصمد : الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال، أو : الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، والذي يُطْعِم ولا يُطْعَم ولا يأكل ولا يشرب، أو : الذي لا جوف له، وتعريفه لعلمهم بصمديته، بخلاف أحديته.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٧٠
وتكرير الاسم الجليل، للإشعار بأنَّ مَن لم يتصف بذلك فهو بمعزلٍ عن استحقاق الألوهية، والتلذُّذ بذكره. وتعرية الجملة عن العاطف، لأنها كالنتيجة عن الأولى، بيَّن أولاً ألوهيته عزّ وجل، المستوجبة لجميع نعوت الكمال، ثم أحديته الموجبة لتنزّهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجهٍ من الوجوه، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها، ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتي عما سواه، وافتقار المخلوقات إليه في وجودها وبقائها وسائر أحوالها، تحقيقاً للحق، وإرشاداً إلى التعلُّق بصمديته تعالى. ثم صرّح ببعض أحكام مندرجة تحت الأحكام السابقة، فقال :﴿لم يلدْ﴾ أي : لم يتولد عن شيء، ردًّا على المشركين، وإبطالاً لاعتقادهم في الملائكة والمسيح، ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي، أي : لم يصدر عنه ولد ؛ لأنه لا يُجانسه شيء يمكن أن يكون له من جنسه صاحبة ليتوالدا، كما ينطق به قوله تعالى :﴿أَنَّىا يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ﴾ [الأنعام : ١٠١]، ولا يفتقر إلى ما يُعينه أو يخلفه ؛ لاستحالة الحاجة عليه، لصمدانيته وغناه المطلق.


الصفحة التالية
Icon