﴿وآخرين منهم﴾ : عطف على " الأميين " أي : بعث في الأميين، الذين في عصره، وفي آخرين من الأميين ﴿لَمَّا يلحقوا بهم﴾ أي : لم يلحقوا بهم بعدُ، وسيلحقون، وهم الذين يأتون بعد الصحابة إلى يوم القيامة، وقيل : هم العجم، أي : وآخرين من جنسهم، وقيل : عطف على " يُعلّمهم " أي : يُعلّم أخرين منهم، وعلى كلِّ فدعوته ﷺ عامة. ﴿وهو العزيزُ الحكيم﴾ ؛ المبالغ في العزة والحكمة، ولذلك مكَّن رجلاً أميًّا من ذلك الأمر العظيم، واصطفاه من بين كافة البشر.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠
ذلك﴾ الذي امتاز به محمد ﷺ من بين سائر البشر ﴿فضلُ الله﴾ وإحسانه، أو : ذلك التوفيق حتى يؤمنوا من فضل الله، لا باستحقاق، أو الاعتناء بالبعث وعدم الإهمال، مع ما حصل منه من النتائج المذكورة، فضل من الله، وقطع الأسباب في الجملة في استحقاق الفضل ؛ إذ علقه بالمشيئة في قوله :﴿يؤتيه مَن يشاء﴾ تفضُّلاً وعطية، ﴿والله ذو الفضل العظيم﴾ الذي يُستحقر دونه نِعم الدنيا والآخرة. الإشارة : كل مَن لم يعرف الله معرفةَ العيان، فهو من الأميين، فكما مَنَّ الله تعالى على عباده ببعثه الرسول، بعد أن كانوا في ضلالٍ مبين، كذلك مَنَّ على أمته بعده، فبَعَثَ مشايخَ التربية يتلو عليهم آياته الدالة على شهوده وظهوره، ويزكيهم من الرذائل التي تحجبهم عن الله، ويُعلّمهم أسرارَ الكتاب، وأسرارَ الحكمة، وهي الشريعة، إذ لا يوقف على أسرارهما إلاّ بعد تطهير القلوب، وتزكية النفوس، وإن كانوا من قبل ملاقاة المشايخ لفي ضلال مبين، حائدين عن طريق الشهود، وبعث أيضاً في آخرين منهم من يُذكِّرهم ويُعرفهم بالله، وهكذا لا ينقطع الداعي إلى يوم القيامة، لكن لا يصل إليه إلاّ مَن أراد الله أن يوصله إليه، ولذلك قال :﴿ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء...﴾ الآية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠