يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿مَثَلُ﴾ اليهود ﴿الذين حُمِّلُوا التوراةَ﴾ أي : كُلِّفوا علمها، والعمل بما فيها، ﴿ثم لم يحملوها﴾ ؛ لم يعملوا بما فيها، فكأنهم لم يحملوها، ﴿كَمَثَلِ الحمارِ يحمل أسفاراً﴾ جمع سفر، وهو الكتاب الكبير، شَبّه اليهودَ بالحمار، فإنهم حملة التوراة وقُرّاؤها وحُفّاظ ما فيها، ثمّ لم يعملوا بها، ولم ينتفعوا بآياتها، وذلك : أنَّ فيها بعث رسولِ الله ﷺ والبشارة به، فلم يؤمنوا، فهم أشبه شيء بحمار حمل كُتباً كباراً من كتب العلم، فهو يشمي بها، ولا يدري منها إلاَّ ما يلحقه من الكدّ والتعب. وفي التلخيص : وَجْهُ الشَبَه : حرمان الانتفاع بأبلغ نافع، مع تحمُّل التعب في استصحابه، وكل مَن عَلِمَ ولم يعمل بعلمه فهذا مثلُه. قال الطيبي : لمّا تمسكت اليهود بقوله :" في الأميين " ؛ لأنه خاص بالعرب، أتبعه بضرب المثل لمَن تمسّك بهذه الشبهة، وترك الدلائل الواضحة المسطورة بعموم البعثة، وأنه كالحمار يحمل أسفاراً، ولا يدري ما حمل، ولا ما فيه. هـ. وجملة " يحمل " حال، والعامل فيها، معنى المثل، أو : صفة للحمار ؛ إذ ليس المراد به معيناً، فهو كقوله :
ولقد أَمُرُّ على اللئيم يَسُبُّني...
﴿بئس مثلُ القومِ الذين كذّبوا بآيات الله﴾ أي : بئس مثلاً مثل القوم الذين كذّبوا، أو بئس مثل القوم المكذِّبين مثلهم، وهم اليهود الذين كذّبوا بآيات الله الدالة على صحة نبوة محمد ﷺ، ﴿واللهُ لا يهدي القوم الظالمين﴾ وقت اختيارهم الظلمَ، أو : لا يهدي مَن سبق في علمه أنه يكون ظالماً، أو الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١