قل يا أيها الذين هادوا إِن زعمتم أنكم أولياءُ لله من دون الناس فتَمَنَّوا الموتَ إِن كنتم صادقين}، كانوا يقولون :﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة : ١٨]، أي : إن كان قولكم حقًا، وكنتم على ثقة، فتمنُّوا على الله أن يُميتمكم ويبعثكم سريعاً إلى دار كرامته، التي أعدّها لأوليائه، فإنّ الحبيب يُحب لقاء حبيبه، وينتقل من دار الأكدار، إلى دار السرور والهناء، قال تعالى :﴿ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم﴾ من الكفر والمعاصي الموجبة للنار. والباء متعلقة بما يدل عليه النفي، أي : يأبون ذلك بسبب ما قدمت أيديهم،
٤٢
﴿والله عليم بالظالمين﴾ أي : بهم. وإيثار الإظهار في موضع الإضمار لذمهم والتسجيل عليهم بالظلم في كل ما يأتون وما يذرون من الأمور، التي من جملتها ادعاء ما هم عنه بمعزل من ولاية الله.
ثم إنهم لم يجسر أحدٌ منهم أن يتمناها، بل فرٌّوا منها، كما قال تعالى :﴿قل إِنَّ الموت الذي تفرون منه﴾ ولم تجسروا أن تتمنوه خيفة أن تؤخذوا بوبال كفركم، ﴿فإنه مُلاقيكم﴾ لا محالة، من خير صارف يلويه، ولا عاطف يُثنيه، وقد قال ﷺ :" لو تَمَنَّوه لماتوا من ساعتهم "، وهذه إحدى المعجزات. ودخلت الباء في خبر " إن " مع أنه لا يجوز : إن زيداً فمنطلق ؛ لأنَّ " الذي " قد عُرف فيه معنى الشرط والجزاء، كأنه قيل : إن فررتم من أي موت كان ؛ من قتال أو غيره، فإنه ملاقيكم، ﴿ثم تُرَدُّون إلى عالم الغيب والشهادة﴾ الذي لاتخفى عليه خافية، ﴿فيُنبئكم بما كنتم تعملون﴾ من الكفر والمعاصي، بأن يجازيكم عليها. قال الكواشي : أكذب اللهُ اليهودَ في ثلاث، افتخروا بأنهم أولياء الله فكذبهم بقوله :﴿فتَمنَّواالموتَ﴾ وبأنهم أهل الكتاب، والعرب لا كتاب لهم، فشُبِّهوا بالحمار يحمل أسفاراً، وبالسبت، وأنه ليس للمسلمين مثله، فجعل الله لهم الجمعة. هـ. ولذلك ذكرها بإثر تكذيبهم.