يقول الحق جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا إِذا نودي للصلاة من يوم الجمعة﴾، والإمام على المنبر، و " مِن " بيان لـ " إذا " أو تفسير لها، وقيل :" مِن " بمعنى " في " كقوله :﴿مَاذَا خَلَقُواْ مِن ألأَرْضِ﴾ [فاطر : ٤٠ و الأحقاف : ٤] أي : في الأرض. وإنما سُمي جُمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة، وقيل : أول مَن سمّاها جمعة : كعب بن لؤي، وكان يُسمى العروبة، وقيل : إنَّ الأنصار قالوا قبل الهجرة : لليهود يومٌ يجتمعون فيه في كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلُموا نجعل يوماً نجتمع فيه، فنذكر الله نُصلّي، فقالوا : يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم الجمعة، فاجتعوا إلى سعد بن زُرارة، فصلَّى بهم ركعتين، وذكَّرهم، فسموه يومَ الجمعة، لاجتماعهم فيه، فأنزل الله آية الجمعة ـ أي : بعد ذلك ـ تقريراً لفعلهم، فهي أول جمعة كانت في الإسلام. وأما أول جمعة جمعها رسولُ الله ﷺ فهي لمَا قَدِم المدينةَ مهاجراً، نزل قباء، على بني عَمرو بن عوف، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء الأربعاء والخميس، وأسّس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة عامداً إلى المدينة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، في بطن وادٍ لهم، وقد بنوا هناك مسجداً، فخطب، وصلّى الجمعة فيه. انظر الثعلبي.
ويم الجمعة سيد الأيام، وفي الحديث :" مَن مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد، ووُقي فتنة القبر ". فإذا نُودي للصلاة ﴿فاسْعَوا إِلى ذكر الله﴾ أي : امشوا واحضروا الخطبة والصلاة ﴿وذَرُوا البيع﴾ أي : اتركوا المعاملة كلها، وإنما خص البيع ؛ لأنّ يوم الجمعة كان سوقًا يتكاثر فيه البيع والشراء عند الزوال، فقيل لهم : بادِروا إلى تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، ﴿واسْعَوا إِلى ذكر الله﴾ الذي لا شيء أنفع منه، ﴿ذلكم﴾ أي : السعي إلى ذكر الله ﴿خيرٌ لكم﴾ من البيع والشراء ﴿إِن كنتم تعلمون﴾ الخير والشر الحقيقيين، أو : إن كنتم
٤٤
من أهل العلم.