يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وإِذا رأيتهم تُعْجِبُكَ أجسامُهم﴾ لضخامتها، ويروقك منظرُهم ؛ لصباحة وجوههم، والخطاب للرسول ﷺ، أو : لكل سامع، ﴿وإِن يقولوا تسمعْ لِقَولهم﴾ لفصاحتهم، وذلاقة ألسنتهم، وحلاوة كلامهم، وكان ابن أُبي رجلاً جسيماً صبيحاً، وقوم من المنافقين في مثل صفته، فكانوا يحضرون مجلس الرسول ﷺ، ويستندون فيه، ولهم جهارة المناظرة، وفصاحة الألسن، فكان النبي ﷺ ومَن معه يُعجبون
٤٨
بهم، ويسمعون إلى كلامهم. ﴿كأنهم خُشُب مُسَنَّدةٌ﴾ أي : هم كخشب مُسَنَّدة، شُبِّهوا في جلوسهم في مجلس الرسول صلى الله عليهم وسلم مستندين فيها بخُشب منظومة، مسندة إلى الحائط، في كونهم أشباحاً خاليه من العلم والخير ؛ لأنّ الخشب إذا انتُفع بها كانت في سَقفٍ، أو جدارٍ، أو غير ذلك من مظان الانتفاع، وما دام متروكاً غير منتفع به، أُسند إلى الحائط فشُبِّهوا به في عدم الانتفاع. أو : لأنهم أشباح بلا أرواح، وأجرام بلا أحلام. و " خُشُب " بضمتين، جمع خَشبة، كَثمرة وثُمُر، ويسكن، كبَدنة وبُدن.
﴿يحسبون كلَّ صيحةٍ﴾ واقعة ﴿عليهم﴾، فـ " كل " : مفعول أول، و " عليهم " : مفعول ثان، أي : يظنون كلَّ صيحة واقعة عليهم لاستقرار الرعب في قلوبهم، فإذا نادى منادٍ في العسكر، أو انفلتت دابة، أو نُشِدت ضالّة ؛ ظنوه إيقاعاً بهم. ﴿هم العدوُّ﴾ أي : الكاملون في العداوة، الراسخون فيها، فإنّ أعدى الأعادي المكاشِر، الذي يُكاشر وتحت ضلوعه الداء. فالألف واللام للجنس، أو : للعهد، أي : العدو الذي يشهد لك، ويعتقد خلاف ما يشهد، ﴿فاحْذرهم﴾ ولا تغتر بحلاوة منطقهم، ﴿قاتلهم اللهُ﴾، دعاء عليهم، أو : تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم، ﴿أنى يُؤفكون﴾ أي : كيف يعدلون عن الحق بعد وضوحه، تعجُّباً من جهلهم وضلالتهم.


الصفحة التالية
Icon