فآمنتُ، وأمرتموني أن أزكي مَالي، فزكّيتُ، ما بقي لي إلاّ أن أسجد لمحمد، فنزل :﴿وإذا قيل لهم تعالوا...﴾ الآية، وما بقي إلاّ أياماً حتى اشتكى ومات.
٥٠
قاله النسفي، فانظره، مع أنّ سورة براءة متأخرة عن هذه، وفيها :﴿وَلآ تُصَلِ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم...﴾ [التوبة : ٨٤] التي نزلت فيه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠
قالت تعالى :﴿سواءٌ عليهم أّسْتغفَرتَ لهم أم لم تستغفرْ لهم﴾، أي : لا مساغ للنصح فيهم، ﴿لن يغفر اللهُ لهم﴾ أي : ما داموا على النفاق. والمعنى : سواء عليهم الاستغفار وعدمه ؛ لأنهم لا يلتفتون إليه، ولا يعتدون به ؛ لكفرهم، أو لأنّ الله لا يغفر لهم أبداً، ﴿إِنَّ اللهَ لا يهدي القوم الفاسقين﴾ ؛ لإصرارهم على الفسق، ورسوخهم في الكفر والنفاق. والمراد : إما هم بأعيانهم، والإظهار في موضع الإضمار لبيان غلوهم في الفسق، أو : الجنس، وهم داخلون في زمرتهم دخولاً أولياً.
﴿هم الذين يقولون﴾ للأنصار :﴿لا تُنفقوا على مَن عند رسول الله حتى ينفضوا﴾ ؛ يتفرقوا، وهذه المقالة كانت السبب في استدعائه إلى الاستغفار، كما تقدّم، فحقها التقديم قبل قوله :﴿وإِذا قيل لهم تعالوا﴾ وإنما أُخرت ليتوجه العتاب إليه مرتين، كما تقدّم في سورة البقرة.
ثم قال تعالى، في الرد على الخبيث :﴿ولله خزائنُ السموات والأرض﴾، فهو رد وإبطال لما زعموا من أنَّ عدم إنفاقهم يؤدي إلى انفضاض الفقراء من حوله ﷺ ببيان أنَّ خزائن الأرزاق بيد الله تعالى خاصة، يُعطي مَن يشاء، ويمنع مَن يشاء، فيرزق منها المهاجرين، وإن أمسك أهلُ المدينة عنهم، ﴿ولكنَّ المنافقين لا يفقهون﴾ ؛ ولكن عبد الله وأضرابه لايفقهون ذلك فيهتدون، بما يُزيِّن لهم الشيطان.