يقول الحق جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا لا تُلهكم أموالكُم﴾ أي : لايشغلكم الاهتمام بتدبير أمورها، والاعتناء بمصالِحها، والتمتُّع بها، ﴿ولا أولادُكم﴾ أي : سروركم بهم، وشفقتكم عليهم، والاستغراق في الأسباب، للنفقة عليهم ﴿عن ذكر الله﴾ أي : عن الاشتغال بذكره عزّ وجل، من الصلاة، والذكر، وسائر العبادات، والمراد : نهيهم عن التلهي بها، وتوجيه النهي لهم للمبالغة، كقوله تعالى :﴿وَلآ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة : ٢]، ﴿ومن يفعل ذلك﴾ أي : التلهي بالدنيا عن الدين ﴿فأولئك هم الخاسرون﴾ ؛ الكاملون في الخسران، حيث باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.
﴿وأَنفِقوا مِن مَّا رزقناكم﴾ أي : بعض ما رزقناكم، تفضُّلاً، من غير أن يكون
٥٢
حصوله من جهتكم ادخاراً للآخرة، وهو عام في المفروض والمندوب، ﴿مِن قبل أن يأتي أحدَكُم الموتُ﴾ بأن يُشاهد دلائله، ويُعاين أمارته ومخايله. وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام بما قدّم، والتشويق لِما أخّر، ﴿فيقولَ﴾ حين تَيَقُنِه بحلوله :﴿لولا أخَّرتني﴾ ؛ أمهلتني ﴿إلى أجلٍ قريب﴾ ؛ أمدٍ قصيرٍ، ﴿فأصَّدَّقَ﴾ بالنصب، جواب التمني، ﴿وأكن من الصالحين﴾ بالجزم، عطفاً على محل ﴿فأصَّدق﴾ أو : على توهُّم إسقاط الفاء، كأنه قيل : إن أخرتني أصَّدَّق وأكن، وقرأ أبو عمرو بالنصب عطفاً على اللفظ.