سورة التغابن
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٤
يقول الحق جلّ جلاله :﴿يُسبِّح لله ما في السماوات وما في الأرض﴾ أي : يُنزّهه سبحانه جميعُ ما فيهما من المخلوقات عما لا يليق بجناب كبريائه، قال القشيري : المخلوقات بجملتها مُسَبِّحةٌ لله، ولكن لا يَسْمَعُ تسبيحَها مَن فيه طَرَشُ النكرة. هـ. ﴿له الملكُ وله الحمدُ﴾ لا لغيره ؛ إذ هو المبدىء لكلّ شيء، وهو القائم به، والمهيمن عليه، وهو المُولي لأصول النِعم وفروعها، وأمّا ملك غيره فاسترعاء من جنابه، وحمد غيره اعتداد بأنّ نعمة الله جرت على يديه. فتقديم الظرفين للاختصاص. ﴿وهو على كل شيءٍ قديرٌ﴾ ؛ لأنّ نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى كل سواء.
﴿هو الذي خَلَقَكُم﴾ خلقاً بديعاً، حائزاً لجميع الكمالات العلمية والعملية، ومع ذلك ﴿فمنكم كافرٌ﴾ أي : فبعض منكم مختار للكفر كاسباً له، على خلاف ما تستدعيه خِلقته، ﴿ومنكم مؤمن﴾ مختار للإيمان، كاسباً له، على حسب ما تقتضيه خِلقته، وكان الواجب عليكم جميعاً أن تكونوا مختارين للإيمان، شاكرين لنِعم الخلق والإيجاد، وما يتفرّع عليهما من سائر النِعم، فما فعلتُم ذلك مع تمام تمكُّنكم منه، بل تشعّبتم شعباً، وتفرقتم فِرَقاً. وتقديم الكفر لأنه الأغلب والأنسب للتوبيخ. قال القشيري :﴿فمنكم كافر ومنكم مؤمن﴾ أي : في سابق علمه سمَّاه كافراً، لعلمه أنه يكفر، وكذلك المؤمن. هـ.
٥٥
قال أبو السعود : حَمْله على ذلك مما لا يليق بالمقام، فانظره. ﴿واللهُ بما تعملون بصير﴾ فيُجازيكم بذلك، فاختاروا منه ما ينفعكم من الإيمان والطاعة، وإياكم وما يرديكم من الكفر والعصيان.