﴿خَلَقَ السماوات والأرضَ بالحق﴾ ؛ بالحكمة البالغة، المتضمنة للمصالح الدينية والدنيوية، حيث جعلها مقرًّا للمكلّفين ليعملوا فيُجازيهم، ﴿وصوَّركم فأّحْسَن صُوَركم﴾ حيث أنشأكم في أحسن تقويم، وأودع فيكم من القُوى والمشاعر الظاهرة والباطنة، ما نيط بها جميع الكمالات البارزة والكامنة، وخصَّكم بخلاصة خَصائص مُبدعاته، وجعلكم أنموذجَ جميع مخلوقاته، فالكائنات كلها منطوية في هذه النشأة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٥
قال النسفي : أي : خلقكم أحسن الحيوان كلّه، وأبهاه، بدليل : أنّ الإنسان لا يتمنّى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور، ومِن حُسن صورته : أنه خلق منتصباً غير منكبٍّ، ومَن كان دميماً، مشوّه الصورة، سمج الخلقة، فلا سماجة ثمَّ، ولكن الحسن على طبقات، فلانحطاطها عمّا فوقها لا تستملح، ولكنها غير خارجة عن حدّ الحُسن. وقال الحكماء : شيئان لا غاية لهما : الجمال والبيان. هـ. قلت : وما أشار إليه هو الذي نظمه الجيلاني في عينيته، حيث قال :
وكُلُّ قبيحٍ إن نَسَبْتِ لحُسْنِه
أتتك معاني الحُسْنِ فيه تُسارعُ
يُكَمِّل نُقصانَ القبيحِ جَمَالُه
فما ثَمَّ نُقصانٌ. ولا ثَمَّ بَاشِعُ
﴿وإِليه المصيرُ﴾ في النشأة الأخرى، لا إلى غيره، فأحسِنوا سرائركم، باستعمال تلك القوى والمشاعر فيما خُلقن له.


الصفحة التالية
Icon