﴿يعلمُ ما في السماوات والأرض ويعلم ما تُسِرُّون وما تُعلنون﴾ أي : ما تُسرونه فيما بينكم، وما تُظهرونه من الأمور، والتصريح به مع اندراجه فيما سبق قبله ؛ لأنه الذي يدور عليه الجزاء، ففيه تأكيد للوعد والوعيد، وتشديد لهما. وقوله تعالى :﴿واللهُ عليم بذاتِ الصُدور﴾ : تذييل لِما قبله، ومُقَرِّر له، من شمول علمه تعالى لسِرِّهم وعلنهم، أي : هو محيط بجميع المضمرات المستكنة في صدور الناس، بحيث لا يُفارقها أصلاً، فكيف يخفى عليه ما يُسرونه وما يُعلنونه، فحق أن يُتقى ويُحذر. وإظهار الجلالة للإشعار بعلية الحكم، وتأكيد استقلال الجملة. قيل : وتقدّم تقرير القدرة على تقرير العلم ؛ لأنّ دلالة المخلوقات على قدرته تعالى بالذات، وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الأوصاف، وكل ما ذكره بعد قوله :﴿فمنكم كافر ومنكم مؤمن﴾ في معنى الوعيد على الكفر، وإنكار أن يُعصى الخالق ولا تُشكر نِعَمه.
قال الطيبي : الفاء في " فمنكم " تفصيلية، والآية كلها واردة لبيان عظمة الله في مُلكِه وملكوته، وذلك أنه تعالى لمّا أثبت لذاته الأقدس التنزيه، وأنّ كل شيء ينزهه ويُقدّسه عما
٥٦
لا يَليق بجلاله، ثم خصّ أنه لوصفه بالمالكية على الإطلاق، وكل كمال وجمال ونعمةٍ وإفضال منه، وهو خالق كل مهتدٍ وضال، ونظم دليل الآفاق مع ليل الأنفس، وبيّن أنَّ إليه المصير، ختم ذلك بإثبات العلم الشامل للكليات والجزئيات، وكرره تكريراً، وأكّده توكيداً، وكأنَّ ذكر العلم في قوله :﴿والله بما تعملون بصير﴾ استطراد لذكر الخلق وتفصيله، ولإثبات القضاء والقدر، ولمّا فرغ من بيان العظمة جاء بالتهديد والوعيد، وقال :﴿ألم يأتكم...﴾ الآية. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٥


الصفحة التالية
Icon