يقول الحق جلّ جلاله : لكفار مكة ﴿ألم يأتكم نبأُ الذين كفروا من قبلُ﴾ ؟ كقوم نوح، ومَن بعدهم من الأمم المُصرَّة على الكفر، ﴿فذاقوا وبالَ أمرهم﴾ أي : شؤم كفرهم في الدنيا من الهلاك والاستئصال. والوبالُ : الثقل والشدة، وأمرهم : كفرهم، عبّر عنه بالأمر إيذاناً بأنه أمر هائلٌ، وجناية عظيمة، و " ذاقوا " عطف على " كفروا " أي : ألم يأتكم خبر الذين كفروا فذاقوا من غير مهلة ما يسْتتبعُهُ كفرهم في الدنيا ؟ ﴿ولهم في الآخرة عذابٌ أليم﴾ لا يُقادَر قدره.
﴿ذلك﴾ أي : ما ذكر من العذاب الذي ذاقوه في الدنيا، وما سيذوقونه في الآخرة ﴿بأنه﴾ ؛ بسبب أن الشأن ﴿كانت تأتيهم رُسُلهم بالبينات﴾ ؛ بالمعجزات الظاهرة، ﴿فقالوا أَبَشَرٌ يهدوننا﴾ أي : قال كلُّ قوم من المذكورين في حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزات منكرين كون الرسول من البشر، متعجبين من ذلك ﴿أَبَشرٌ﴾ مِن جنس البشر ﴿يهدوننا﴾، أنكروا رسالة البشر، ولم ينكروا عبادةَ الحجر، ﴿فكفروا﴾ بالرسل ﴿وتَوَلَّوا﴾ عن التدبُّر فيما أتوا به من البينات، أو : عن الإيمان بهم، ﴿واستغنى اللهُ﴾ أي : أظهر استغناءه عن إيمانهم وطاعتهم، حيث أهلكهم وقطع دابرهم، ولولا استغناؤه تعالى عنها ما فعل ذلك، ﴿والله غنيٌّ﴾ عن العالمين، فضلاً عن إيمانهم وطاعتهم، ﴿حميدٌ﴾ يحمده كلُّ مخلوقٍ بلسان الحال والمقال، أو : مستحق للحمد بذاته، وإن لم يحمده حامد.


الصفحة التالية
Icon