" صفحة رقم ١٣٤ "
فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها وإما أَحكام يقصد منها العمل بها، فالعلوم كالتوحيد والصفات والنبوءات والمواعظ والأَمثال والحِكَم والقَصص، والأحكامُ إما عمل الجوارح وهو العبادات والمعاملات، وإما عمل القلوب أي العقول وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة، وكلها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام ف ) الحمد للَّه ( يشمل سائر صفات الكمال التي استحق الله لأجلها حصر الحمد له تعالى بناء على ما تدل عليه جملة ) الحمد للَّه ( من اختصاص جنس الحمد به تعالى واستحقاقه لذلك الاختصاص كما سيأتي و ) رب العالمين ( يشمل سائر صفات الأفعال والتكوين عند من أثبتها، و ) الرحمن الرحيم ( يشمل أصول التشريع الراجعة للرحمة بالمكلفين و ) ملك يوم الدين ( يشمل أحوال القيامة، و ) إياك نعبد ( يجمع معنى الديانة والشريعة، و ) إياك نستعين ( يجمع معنى الإخلاص لله في الأعمال.
قال عز الدين بن عبد السلام في كتابه ( حل الرموز ومفاتيح الكنوز ) : الطريقة إلى الله لها ظاهر ( أي عمل ظاهر أي بدني ) وباطن ( أي عمل قلبي ) فظاهرها الشريعةُ وباطنها الحقيقة، والمراد من الشريعة والحقيقة إقامة العبودية على الوجه المراد من المكلف. ويجمع الشريعة والحقيقة كلمتان هما قوله :( إياك نعبد وإياك نستعين ( فإياك نعبد شريعة وإياك نستعين حقيقة، ا هـ.
و ) اهدنا الصراط المستقيم ( يشمل الأحوال الإنسانية وأحكامها من عبادات ومعاملات وآداب، و ) صراط الذين أنعمت عليهم ( يشير إلى أحوال الأمم والأفراد الماضية الفاضلة، وقوله :( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( يشمل سائر قصص الأمم الضالة ويشير إلى تفاصيل ضلالالتهم المحكية عنهم في القرآن، فلا جرم يحصل من معاني الفاتحة تصريحاً وتضمناً عِلْمٌ إجمالي بما حواه القرآن من الأغراض. وذلك يدعو نفس قارئها إلى تطلب التفصيل على حسب التمكن والقابلية. ولأجل هذا فرضتْ قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة حرصاً على التذكر لما في مطاويها.
وأما تسميتها السبع المثاني فهي تسمية ثبتت بالسنة، ففي ( صحيح البخاري ) عن أبي سعيد ابن المعلّى ( أن رسول الله قال :( الحمد لله رب العالمين ( هي السبع المثاني والقرآنُ العظيم