" صفحة رقم ١٦٦ "
ومن أعجب الآراء ما ذكره صاحب ( المنهل الأصفى في شرح الشفاء ) التلمساني عن جمع من العلماء القول بأن اسم الجلالة يمسك عن الكلام في معناه نعظيماً وإجلالاً ولتوقف الكلام فيه على إذن الشارع.
) رَبِّ الْعَالَمِينَ ).
وصف لاسم الجلالة فإنه بعد أن أسند الحمد لاسم ذاته تعالى تنبيهاً على الاستحقاق الذاتي، عقبَ بالوصف وهو الرب ليكون الحمد متعلقاً به أيضاً لأن وصف المتعلَّق متعلَّق أيضاً، فلذلك لم يقل الحمد لرب العالمين كما قال :( يوم يقوم الناس لرب العالمين ( ( المطففين : ٦ ) ليؤذن باستحقاقه الوصفي أيضاً للحمد كما استحقه بذاته.
وقد أجرى عليه أربعة أوصاف هي : رب العالمين، الرحمن، الرحيم، ملك يوم الدين، للإيذان بالاستحقاق الوصفي فإن ذكر هذه الأسماء المشعرة بالصفات يؤذن بقصد ملاحظة معانيها الأصلية، وهذا من المستفادات من الكلام بطريق الاستتباع لأنه لما كان في ذكر الوصف غنية عن ذكر الموصوف لا سيما إذا كان الوصف منزلاً منزلة الاسم كأوصافه تعالى وكان في ذكر لفظ الموصوف أيضاً غُنية في التنبيه على استحقاق الحمد المقصود من الجملة عَلمنا أن المتكلم ما جمع بينهما إلا وهو يشير إلى أن كِلاَ مَدلُولَيْ الموصوف والصفة جدير بتعلق الحمد له مع ما في ذكر أوصافه المختصة به من التذكير بما يُميزه عن الآلاهة المزعومة عند الأمم من الأصنام والأوثان والعناصر كما سيأتي عند قوله تعالى :( ملك يوم الدين ).
والرب إما مصدر وإما صفة مشبهة على وزن فَعْل مِنْ رَبَّه يَرُبُّه بمعنى رباه وهو رَب بمعنى مُرَبَ وسائس. والتربية تبليغ الشيء إلى كماله تدريجاً، ويجوز أن يكون من ربه بمعنى ملَكَه، فإن كان مصدراً على الوجهين فالوصف به للمبالغة، وهو ظاهر، وإن كان صفة مشبهة على الوجهين فهي واردة على القليل في أوزان الصفة المشبهة فإنها لا تكون على فَعْل من فعَل يفعُل إلا قليلاً، من ذلك قولهم نمّ الحديث ينُمُّه فهو نَمٌّ للحديث.
والأظهر أنه مشتق من ربَّه بمعنى رباه وساسه، لا من ربه بمعنى ملكه لأن الأول الأنسب بالمقام هنا إذ المراد أنه مدبر الخلائق وسائس أمورها ومبلغها غاية كمالها، ولأنه لو حمل على معنى المالك لكان قوله تعالى بعد ذلك ) ملك يوم الدين ( كالتأكيد والتأكيد خلاف الأصل ولا داعي


الصفحة التالية
Icon