" صفحة رقم ٢٠٤ "
العَجُز على الصدر فاتسع المجال لدعوة المنصفين إلى عبادة الرب الحق الذي خلقهم وخلق السماوات والأرض، وأنعم عليهم بما في الأرض جميعاً. وتخلص إلى صفة بدء خلق الإنسان فإن في ذلك تذكيراً لهم بالخلق الأول قبل أن توجد أصنامهم التي يزعمونها من صالحي قوم نوح ومن بعدهم، ومنة على النوع بتفضيل أصلهم على مخلوقات هذا العالم، وبمزيته بِعِلم ما لم يعلمه أهل الملأ الأعلى وكيف نشأت عداوة الشيطان له ولنسله، لتهيئة نفوس السامعين لاتهام شهواتها ولمحاسبتها على دعواتها. فهذه المنة التي شملت كل الأصناف الأربعة المتقدم ذكرها كانت مناسبة للتخلص إلى منة عظمى تخص الفريق الرابع وهم أهل الكتاب الذين هم أشدُّ الناس مقاومة لهدي القرآن، وأنفذُ الفِرق قولاً في عامة العرب لأن أهل الكتاب يومئذٍ هم أهل العلم ومظنة اقتداء العامة لهم من قوله :( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي ( ( البقرة : ٤٠ ) الآيات فأطنب في تذكيرهم بنعم الله وأيامه لهم، ووصْففِ ما لاقَوْا به نعمه الجمة من الانحراف عن الصراط السوي انحرافاً بلغ بهم حد الكفر وذلك جامع لخلاصة تكوين أمة إسرائيل وجامعتهم في عهد موسى، ثم ما كان من أهم أحداثهم مع الأنبياء الذين قفوا موسى إلى أن تلقوا دعوة الإسلام بالحَسد والعداوة حتى على المَلَك جبريل، وبيان أخطائهم، لأن ذلك يلقي في النفوس شكاً في تأهلهم للاقتداء بهم. وذكر من ذلك نموذجاً من أخلاقهم من تعلق الحياة :( ولتجدن أحرص الناس على حياة ( ( البقرة : ٩٦ )، ومحاولة العمل بالحسر ) واتبعوا ما تتلوا الشياطين الخ ( ( البقرة : ١٠٢ ) وأذَى النبيء بموجّه الكلام ) لا تقولوا راعنا ( ( البقرة : ١٠٤ ).
ثم قُرن اليهود والنصارى والمشركون في قَرن حسدهم المسلمين والسخط على الشريعة الجديدة :( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين إلى قوله : ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( ( البقرة : ١٠٥ ١١٢ )، ثم ما أثير من الخلاف بين اليهود والنصارى وإدعاء كل فريق أنه هو المحق :( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء إلى يختلفون ( ( البقرة : ١١٣ ) ثم خُص المشركون بأنهم أظلم هؤلاء الأصناف الثلاثة لأنهم منعوا المسلمين من ذكر الله في المسجد الحرام وسعوا بذلك في خرابه وأنهم تشابهوا في ذلك هم واليهود والنصارى واتحدوا في كراهية الإسلام.
وانتقل بهذه المناسبة إلى فضائل المسجد الحرام، وبانيه، ودعوته لذريته بالهدى،