" صفحة رقم ٢٢٠ "
بهما إلى ماوَلياه أي من الكلام، ومثَّله شارحه بقوله تعالى بعد قصة عيسى :( ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ( ( آل عمران : ٥٨ ) ثم قال :( إن هذا لهو القصص الحق ( ( آل عمران : ٦٢ ) فأشار مرة بالبعيد ومرة بالقريب والمشار إليه واحد، وكلام ابن مالك أوفق بالاستعمال إذ لا يكاد يحصر ما ورد من الاستعمالين فدعوى الرضي قلة أن يذكر بلفظ الحاضر دعوى عريضة. وإذا كان كذلك كان حكم الإشارة إلى غائب غير كلام مثلَ الإشارة إلى الكلام في جواز الوجهين لكثرة كليهما أيضاً، ففي القرآن :( فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ( ( القصص : ١٥ ) فإذا كان الوجهان سواء كان ذلك الاستعمال مجالاً لتسابق البلغاء ومراعاة مقتضيات الأحوال، ونحن قد رأيناهم يتخيرون في مواقع الإتيان باسم الإشارة ما هو أشد مناسبة لذلك المقام فدلنا على أنهم يعرِّفون مخاطبيهم بأغراض لا قبل لتعرفها إلا إذا كان الاستعمال سواء في أصل اللغة ليكون الترجيح لأحد الاستعمالين لا على معنى، مثل زيادة التنبيه في اسم الإشارة البعيد كما هنا، وكما قال خُفاف بن نَدْبة :
أقول لَه والرمحُ يأطر مَتْنَه
تأمل خُفَافاً إِنني أَنَا ذلك
وقد يؤتى بالقريب لإظهار قلة الاكتراث كقول قيس بن الخَطِيم في ( الحماسة ) :
متَى يأتتِ هذَا الموتُ لا يلففِ حاجة
لنفسيَ إلا قد قضيتُ قضاءها
فلا جرم أن كانت الإشارة في الآية باستعمال اسم الإشارة للبعيد لإظهار رفعة شأن هذا القرآن لجعله بعيد المنزلة. وقد شاع في الكلام البليغ تمثيل الأمر الشريف بالشيء المرفوع


الصفحة التالية
Icon