" صفحة رقم ٢٢١ "
في عزة المنال لأن الشيء النفيس عزيز على أهله فمن العادة أن يجعلوه في المرتفعات صوناً له عن الدروس وتناول كثرة الأيدي والابتذال، فالكتاب هنا لما ذكر في مقام التحدي بمعارضته بما دلت عليه حروف التهجي في ) الم ( ( البقرة : ١ ) كان كالشيء العزيز المنال بالنسبة إلى تناولهم إياه بالمعارضة أو لأنه لصدق معانيه ونفع إرشاده بعيد عمن يتناوله بهُجر القول كقولهم :( افتراه ( ( يونس : ٣٨ ) وقولهم :( أساطير الأولين ( ( الأنعام : ٢٥ ). ولا يرد على هذا قوله :( وهذا كتاب أنزلناه ( ( الأنعام : ٩٢ ) فذلك للإشارة إلى كتاب بين يدي أهله لترغيبهم في العكوف عليه والإتعاظ بأوامره ونواهيه. ولعل صاحب ( الكشاف ) بنى على مثل ما بنى عليه الرضي فلم يعُدَّ :( ذلك الكتاب ( تنبيهاً على التعظيم أو الاعتبار، فللَّه در صاحب ( المفتاح ) إذ لم يُغفل ذلك فقال في مقتضِيات تعريف المسند إليه بالإشارة : أوْ أنْ يقصد ببعده تعظيمه كما تقول في مقام التعظيم ذلك الفاضل وأولئك الفحول وكقوله عز وعلا :( الم ذلك الكتاب ( ذهاباً إلى بعده درجةً.
وقوله :( الكتاب ( يجوز أن يكون بدلاً من اسم الإشارة لقصد بيان المشار إليه لعدم مشاهدته، فالتعريف فيه إذن للعهد، ويكون الخبر هو جملة ) لا ريب فيه (، ويجوز أن يكون ( الكتاب ) خبراً عن اسم الإشارة ويكون التعريف تعريف الجنس فتفيد الجملة قصر حقيقة الكتاب على القرآن بسبب تعريف الجُزءين فهو إذن قصر ادِّعائي ومعناه ذلك هو الكتاب الجامع لصفات الكمال في جنس الكتب بناء على أن غيره من الكتب إذا نسبت إليه كانت كالمفقود منها وصفُ الكتاب لعدم استكمالها جميع كمالات الكتب، وهذا التعريف قد يعبر عنه النحاة في تعداد معاني لام التعريف بمعنى الدلالة على الكمال فلا يرد أنه كيف يحصر الكتاب في أنه الم أو في السورة أو نحو ذلك إذ ليس المقام مقام الحصر وإنما هو مقام التعريف لا غير، ففائدة التعريف والإشارة ظاهرية وليس شيء من ذلك لغواً بحال وإن سبق لبعض الأوهام على بعض احتمال.
و ( الكتاب ) فِعال بمعنى المكتوب إما مصدر كاتَب المصوغ للمبالغة في الكتابة، فإن المصدر يجىء بمعنى المفعول كالخَلق، وإما فعال بمعنى مَفعول كلِباس بمعنى ملبوس وعِماد بمعنى مَعمود به. واشتقاقه من كَتَب بمعنى جمع وضم لأن الكتاب تجمع أوراقه وحروفه، فإن النبيء ( ﷺ ) أمر بكتابة كل ما ينزل من الوحي وجعل للوحي كتاباً، وتسمية القرآن كتاباً إشارة إلى وجوب كتابته لحفظه. وكتابة القرآن فرض كفاية على المسلمين.


الصفحة التالية
Icon