" صفحة رقم ٢٨٢ "
من القلب فيعسر أو يتعذر الإقلاع عنها بعد تمكنها، وأسندت تلك الزيادة إلى اسمه تعالى لأن الله تعالى غضب عليهم فأهملهم وشأنهم ولم يتداركهم بلطفه الذي يوقظهم من غفلاتهم لينبه المسلمين إلى خطر أمرها وأنها مما يعسر إقلاع أصحابها عنها ليكون حذرهم من معاملتهم أشد ما يمكن.
فجملة :( فزادهم الله مرضاً ( خبرية معطوفة على قوله :( في قلوبهم مرض ( واقعة موقع الاستئناف للبيان، داخلةٌ في دفع التعجب، أي إن سبب توغلهم في الفساد ومحاولتهم ما لا يُنال لأن في قلوبهم مرضاً ولأنه مرض يتزايد مع الأيام تزايداً مجعولاً من الله فلا طمع في زواله. وقال بعض المفسرين : هي دعاءٌ عليهم كقول جبير بن الأضبط :
تَبَاعَد عني فَطْحَل إذْ دَعوتُه
أَمِينَ فزادَ الله مَا بينَنا بُعدا
وهو تفسير غير حسن لأنه خلاف الأصل في العطف بالفاء ولأن تصدي القرآن لشتمهم بذلك ليس من دأبه، ولأن الدعاء عليهم بالزيادة تنافي ما عهد من الدعاء للضالين بالهداية في نحو :( اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ).
وقوله :( ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ( معطوف على قوله :( فزادهم الله مرضاً ( إكمالاً للفائدة فكمل بهذا العطف بيانُ ما جره النفاق إليهم من فساد الحال في الدنيا والعذاب في الآخرة. وتقديم الجار والمجرور وهو ) لهم ( للتنبيه على أنه خبر لانعت حتى يستقر بمجرد سماع المبتدأ العلم بأن ذلك من صفاتهم فلا تلهو النفس عن تلقيه.
والأليم فَعيل بمعنى مفعول لأن الأكثر في هذه الصيغة أن الرباعي بمعنى مُفعَل وأصله عذاب مؤلَم بصيغة اسم المفعول أي مؤلَمٌ من يعذَّب به على طريقة المجاز العقلي لأن المؤلَم هو المعذب دون العذاب كما قالوا جَدّ جِدّه، أو هو فعيل بمعنى فاعل من أَلِمَ بمعنى صار ذا ألَم، وإما أن يكون فعيل بمعنى مفعِل أي مؤلِمْ بكسر اللام، فقيل لم يثبت عن العرب في هذه المادة وثبت في نظيرها نحو الحَكيم والسميع بمعنى المسمِع كقول عمرو بن معديكرب :
وخيللٍ قد دَلَفْتُ لها بخيل
تحيةُ بينهم ضرب وَجِيع
أي موجع، واختلف في جواز القياس عليه والحق أنه كثير في الكلام البليغ وأن منع القياس عليه للمولدين قصد منه التباعد عن مخالفة القياس بدون داع لئلا يلتبس حال الجاهل بحال البليغ فلا مانع من تخريج الكلام الفصيح عليه.