" صفحة رقم ٣٢٠ "
ما أفاده الاعتراض بقوله :( والله محيط بالكافرين ( وقوله :( ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ( فجاء بهذه الجمل الحالية والمستأنفة تنبيهاً على وجه الشبه وتقريراً لقوة مشابهة الزواجر وآيات الهدى والإيمان بالرعد والبرق في حصول أثري النفع والضر عنهما مع تفنن في البلاغة وطرائق الحقيقة والمجاز.
وجعل في ( الكشاف ) الجمل الثلاث مستأنفاً بعضها عن بعض بأن تكون الأولى استئنافاً عن جملة :( أو كصيب ( ( البقرة : ١٩ ) والثانية وهي :( يكاد البرق ( مستأنفة عن جملة :( يجعلون ( لأن الصواعق تستلزم البرق، والثالثة وهي :( كلما أضاء لهم مشوا ( مستأنفة عن قوله :( يكاد البرق ( والمعنى عليه ضعيف وهو في بعضها أضعف منه في بعض كما أشرنا إليه آنفاً.
والجعل والأصابع مستعملان في حقيقتهما على قول بعض المفسرين لأن الجعل هو هنا بمعنى النوط، والظرفية لا تقتضي الإحاطة فجعل بعض الإصبع في الأذن هو جعل للإصبع فتمثل بعض علماء البيان بهذه الآية للمجاز الذي علاقته الجزئية تسامح ولذلك عبر عنه صاحب ( الكشاف ) بقوله هذا من الاتساعات في اللغة التي لا يكاد الحاصر يحصرها كقوله :( فاغسلوا وجوهكم ( ( المائدة : ٦ ) ) فاقطعوا أيديهما ( ( المائدة : ٣٨ ) ومنه قولك مسحت بالمنديل، ودخلت البلد، وقيل ذلك مجاز في الأصابع، وقيل مجاز في الجعل ولمن شاء أن يجعله مجازاً في الظرفية فتكون تبعية لكلمة ( في ).
و ( من ) في قوله :( من الصواعق ( للتعليل أي لأجل الصواعق إذ الصواعق هي علة جعل الأصابع في الآذان ولا ضير في كون الجعل لاتقائها حتى يقال يلزم تقدير مضاف نحو ترك واتقاء إذ لا داعي إليه، ونظير هذا قولهم سقاه من العيمة ( بفتح العين وسكون الياء وهي شهوة اللبن ) لأن العيمة سبب السقي والمقصود زوالها إذ المفعول لأجله هو الباعث وجوده على الفعل سواء كان مع ذلك غاية للفعل وهو الغالب أم لم يكن كما هنا.
والصواعق جمع صاعقة وهي نار تندفع من كهربائية الأسحبة كما تقدم آنفاً. وقوله :( حذر الموت ( مفعول لأجله وهو هنا علة وغاية معاً.
ومن بديع هذا التمثيل أنه مع ما احتوى عليه من مجموع الهيئة المركبة المشبه بها حال المنافقين حين منازعة الجواذب لنفوسهم من جواذب الاهتداء وترقبها ما يفاض على نفوسهم من قبول دعوة النبيء وإرشاده مع جواذب الإصرار على الكفر وذبهم عن أنفسهم أن يعلق بها ذلك الإرشاد حينما يخلون إلى شياطينهم، هو مع ذلك قابل لتفريق التشبيه