" صفحة رقم ٦٧ "
أحوالهم بتطهيرها مما كان سبب هلاك من قبلهم، فكان في ذكر قصص الأمم توسيع لعلم المسلمين بإحاطتهم بوجود الأمم ومعظم أحوالها، قال مشيرا إلى غفلتهم قبل الإسلام ) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم ).
الفائدة السابعة : تعويد المسلمين على معرفة سعة العالم وعظمة الأمم والاعتراف لها بمزاياها حتى تدفع عنهم وصمة الغرور كما وعظهم قوله تعالى عن قوم عاد ) وقالوا من أشد منا قوة ( فإذا علمت الأمة جوامع الخيرات وملائمات حياة الناس تطلبت كل ما ينقصها مما يتوقف عليه كمال حياتها وعظمتها.
الفائدة الثامنة : أن ينشئ في المسلمين همة السعي إلى سيادة العالم كما ساده أمم من قبلهم ليخرجوا من الخمول الذي كان عليه العرب إذ رضوا من العزة باغتيال بعضهم بعضا فكان منتهى السيد منهم أن يغنم صريمة، ومنتهى أمل العامي أن يرعى غنيمة، وتقاصرت هممهم عن تطلب السيادة حتى آل بهم الحال إلى أن فقدوا عزتهم فأصبح كالأتباع للفرس والروم، فالعراق كله واليمن كله وبلاد البحرين تبع لسيادة الفرس. والشام ومشارفه تبع لسيادة الروم. وبقي الحجاز ونجد لا غنية لهم عن الاعتزاز بملوك العجم والروم في رحلاتهم وتجارتهم.
الفائدة التاسعة : معرفة أن قوة الله تعالى فوق كل قوة، وأن الله ينصر من ينصره، وأنهم إن أخذوا بوسيلتي البقاء : من الاستعداد والاعتماد ؛ سلموا من تسلط غيرهم عليهم. وذكر العواقب الصالحة لأهل الخير، وكيف ينصرهم الله تعالى كما في قوله ) فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجيناه من الغم، وكذلك ننجي المؤمنين ).
الفائدة العاشرة : أنها يحصل منها بالتبع فوائد في تاريخ التشريع والحضارة وذلك يفتق أذهان المسلمين للإلمام بفوائد المدنية كقوله تعالى ) كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله ( في قراءة من قرأ دين بكسر الدال، أي في شرع فرعون يومئذ، فعلمنا أن شريعة القبط كانت تخول استرقاق السارق. وقوله ) معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ( يدل على أن شريعتهم ما كانت تسوغ أخذ البدل في الاسترقاق، وأن الحر لا يملك إلا بوجه معتبر. ونعلم من قوله ) وابعث في المدائن