" صفحة رقم ٧٢ "
وله أسماء أخرى هي في الأصل أوصاف أو أجناس أنهاها في الإتقان إلى نيف وعشرين. والذي اشتهر إطلاقه عليه منها ستة : التنزيل، والكتاب، والفرقان، والذكر، والوحي، وكلام الله.
فأما الفرقان فهو في الأصل اسم لما يفرق به بين الحق والباطل وهو مصدر، وقد وصف يوم بدر بيوم الفرقان وأطلق على القرآن في قوله تعالى ) تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ( وقد جعل هذا الاسم علما على القرآن بالغلبة مثل التوراة على الكتاب الذي جاء به موسى والإنجيل على الوحي الذي أنزل على عيسى قال تعالى ) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ( إلى قوله ) وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ( فوصفه أولا بالكتاب وهو اسم الجنس العام ثم عبر عنه باسم الفرقان عقب ذكر التوراة والإنجيل وهما علمان ليعلم أن الفرقان علم على الكتاب الذي أنزل على محمد ( ﷺ ). ووجه تسميته الفرقان أنه امتاز عن بقية الكتب السماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل، فإن القرآن يعضد هديه بالدلائل والأمثال ونحوها، وحسبك ما اشتمل عليه من بيان التوحيد وصفات الله مما لا تجد مثله في التوراة والإنجيل كقوله تعالى ) ليس كمثله شيء ( وأذكر لك مثالا يكون تبصرة لك في معنى كون القرآن فرقانا وذلك أنه حكى صفة أصحاب محمد ( ﷺ ) الواردة في التوراة والإنجيل بقوله ) والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ( الآيات من سورة محمد فلما وصفهم القرآن قال ) كنتم خير أمة أخرجت للناس ( الآية آل عمران فجمع في هاته الجملة جميع أوصاف الكمال.
وأما إن افتقدت ناحية آيات أحكامه فإنك تجدها مبرأة من اللبس وبعيدة عن تطرق الشبهة، وحسبك قوله ) فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا ( فإنك لا تجد في التوراة جملة تفيد هذا المعنى بله ما في الإنجيل.
وهذا من مقتضيات كون القرآن مهيمنا على الكتب السالفة في قوله تعالى ) وأنزلنا عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ( وسيأتي بيان هذا في أول آل عمران.
وأما التنزيل فهو مصدر نزل، أطلق على المنزل باعتبار أن ألفاظ القرآن أنزلت من السماء