" صفحة رقم ٩٤ "
أدنى منه مرادا معه لا مرادا دونه سواء كانت دلالة التركيب عليها متساوية في الاحتمال والظهور أم كانت متفاوتة بعضها أظهر من بعض ولو أن تبلغ حد التأويل وهو حمل اللفظ على المعنى المحتمل المرجوح. أما إذا تساوى المعنيان فالأمر أظهر، مثل قوله تعالى ) وما قتلوه يقينا ( أي ما تيقنوا قتله ولكن توهموه، أو ما أيقن النصارى الذين اختلفوا في قتل عيسى علم ذلك يقينا بل فهموه خطأ، ومثل قوله ) فأنساه الشيطان ذكر ربه ( ففي كل من كلمة ) ذكر ( و ) ربه ( معنيان، ومثل قوله ) قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ( ففي لفظ ) رب ( معنيان. وقد تكثر المعاني بإنزال لفظ الآية على وجهين أو أكثر تكثيرا للمعاني مع إيجاز اللفظ وهذا من وجوه الإعجاز. ومثاله قوله تعالى ) إلا عن موعدة وعدها إياه ( بالمثناة التحتية وقرأ الحسن البصري : أباه، بالباء الموحدة، فنشأ احتمال فيمن هو الواعد. ولما كان القرآن نازلا من المحيط علمه بكل شيء، كان ما تسمح تراكيبه الجارية على فصيح استعمال الكلام البليغ باحتماله من المعاني المألوفة للعرب في أمثال تلك التراكيب، مظنونا بأنه مراد لمنزله، ما لم يمنع من ذلك مانع صريح أو غالب من دلالة شرعية أو لغوية أو توفيقية. وقد جعل الله القرآن كتاب الأمة كلها وفيه هديها، ودعاهم إلى تدبره وبذل الجهد في استخراج معانيه في غير ما أية كقوله تعالى ) فاتقوا الله ما استطعتم ( وقوله ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( وقوله ) بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ( وغير ذلك. على أن القرآن هو الحجة العامة بين علماء الإسلام لا يختلفون في كونه حجة شريعتهم وإن اختلفوا في حجية ما عداه من الأخبار المروية عن رسول الله ( ﷺ ) لشدة الخلاف في شروط تصحيح الخبر، ولتفاوتهم في مقدار ما يبلغهم من الأخبار مع تفرق العصور والأقطار، فلا مرجع لهم عند الاختلاف يرجعون إليه أقوى من القرآن ودلالته.
ويدل لتأصيلنا هذا ما وقع إلينا من تفسيرات مروية عن النبي ( ﷺ ) لآيات، فنرى منها ما نوقن بأنه ليس هو المعنى الأسبق من التركيب ؛ ولكنا بالتأمل نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما أراد بتفسيره إلا إيقاظ الأذهان إلى أخذ أقصى المعاني من ألفاظ القرآن، مثال ذلك ما رواه أبو سعيد بن المعلى قال : دعاني رسول الله وأنا في الصلاة فلم أجبه فلما فرغت أقبلت إليه فقال ما منعك أن تجيبني ا فقلت : يا رسول الله


الصفحة التالية
Icon